الجزائر - الجزائر اليوم
لم يكن الفنان رشيد طه فنانا عاديا، فكان رحيله منذ عامين رهيبا على محبيه، ليس في الجزائر، بل حتى في العالم، رغم أن الكثيرين تعرفوا على تفاصيل مهمة من حياته ونضاله، من أجل القضايا الإنسانية، فقط بعد رحيله، وكأن الفنان الذي أخفى عن الجميع مرضه الوراثي الذي جعله يترنح في مشيته، اختار أيضا أن يعيش في الظل، وإن تخلله النور بين الفينة والأخرى.منذ عهد ليس بالقريب، ارتبط الأدب بالموسيقى، كان اقترانهما ناجحا بالفعل، فولد أعمالا خالدة وإبداعا استطاع أن يتغلغل في أعماق النفوس، لهذا، كان من العادي جدا أن يتذكر بعض الأدباء الجزائريين، الذكرى الثانية لرحيل الفنان رشيد طه.
أدباء يتذكرون رشيد طه
في هذا السياق، عبر بعد الكتاب الجزائريين، عبر صفحاتهم في "الفايسبوك" عن إعجابهم بالمسار الفني والنضالي لرشيد طه، فكتب الكاتب والأستاذ الجامعي عبد القادر عبد الله في صفحته على "الفايسبوك": "في الذكرى الثانية لرحيل رشيد طه المنفي حيا وميتا، ترى من سيتذكر رشيد طه المنفي الذي عاش حياته هائما منذ ستينيات القرن الماضي بفرنسا، رغم ذلك، رفض كل الإغراءات ورفض الجنسية الفرنسية، وفضل أن يبقى جزائريا يغني أوجاع شعبه، وأوجاع المهاجرين وتراثهم".
أضاف: "يوم وافته المنية في مثل هذا اليوم من سنة 2018، رحل جثمانه صوب الجزائر، ووصل إلى مطار وهران، لكن لا أحد استقبله ولا بكاه، سوى بعض المعجبين وبعض الرفاق من الوسط الفني بوهران، وتغيبت السلطات الرسمية، سواء المحلية أو تلك المعنية بالثقافة في الوزارة، ليبقى السؤال مطروحا؛ ترى ما الذي فعله هذا الفنان العالمي ضد هذا البلد، ليعاقب بلوثة النفي حيا وميتا. نم أيها المنفي هجعتك الأخيرة في تراب بلدتك الصغيرة سيق بين البسطاء والراحلين، الذين طالما تغنيت بأوجاعهم، فالعظماء يموتون دائما غرباء عن أوطانهم".
أما الكاتب والمترجم محمد بومعراف، فقد كتب: "الفنان الراحل رشيد طه، كان مشهورا في بريطانيا أكثر من فرنسا، بسبب مواقفه ونقده للممارسات العنصرية الفرنسية الرسمية وغير الرسمية للعرب والسود، وكان يسخر من جهل بعض الفنانين الفرنسيين وغبائهم، وقال مرة: كيف لفنان فرنسي شهير، يسأله مذيع عن إيران؟ فيرد أنه لا يحب العرب. ومرة في لقاء مع معجبيه، قالت له فتاة جزائرية "الفرنسيون متحضرون"، فرد عليها "ليسوا متحضرين، لكن فقط متسامحين فيما بينهم"، رفض وسام جوقة الشرف، وهو أهم التكريمات الرسمية للدولة الفرنسية، كان مثقفا وصاحب شخصية".
سنتان تمران على وفاة رشيد طه المفاجئ
رشيد طه مغني راي جزائري من مواليد (18 سبتمبر 1958، 12 سبتمبر 2018)، ولد في مدينة سيق الواقعة، غرب الجزائر عام 1958، وسافر رشيد مع والديه إلى فرنسا عام 1968، وغنى مع الشاب خالد والشاب فضيل في أشهر حفل أقيم في فرنسا، وحقق الحفل نجاحا كبيرا على مستوى الحضور والمبيعات. توفي في 12 سبتمبر عام 2018 بنوبة قلبية في باريس عن عمر ناهز 59 عاما.
لم يرض رشيد بمصير المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وبالأخص وضعهم المزرى، فكان لسانهم، سواء من خلال تقديم الأغاني في فرقة شكلها مع أصدقائه (كارت دوسيجور) أو (بطاقة اقامة)، أو بشكل فردي، فغنى عن كل الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعشيها المهاجرون، وعن القضايا السياسية التي تمسهم، فلم يكن يخاف شيئا، بل كان جسورا يعبر عن آرائه بشكل مباشر، وهو ما فعله أمام الرئيس ميتران حينما شارك في مسيرة ضد العنصرية، نظمها أبناء الجاليات العربية في باريس سنه 1983.
"روك راي"، بصمة رشيد الفنية
ما تميز به أيضا رشيد طه؛ مزجه بين طبوع قد يبدو قرانها مستحيلا، لكنه استطاع أن يحافظ على ديمومتها، وأخرج منها أولادا وبناتا كثيرين، في أغان سجلت حضورها في سجل الأغاني الناجحة، فكان بحق مخترع "الروك الراي" الذي مزج فيه أيضا الشعبي والبانك وطبوع أخرى، وفي هذا صدرت له عدة ألبومات، وهي: "أوليه أوليه"، و"ديوان" و"صنع في المدينة" و"زووم" و"ديوان 2" و"بونجور". كما عكس عبر فنه، التأثيرات الثقافية المختلفة التي سجلت مساره الفني، حتى أن أغنيته "برة برة" من ألبوم صنع في المدينة، قُدمت في فيلم "بلاك هوك داون"، ولعبة "فار كري 2" وأغنية "يا الرايح" لدحمان الحراشي، وأغنية "روك القصبة" التي غناها بالعربية مع أعضاء فرقة "ذا كلاش"، وأغنية "عبد القادر" من ألبوم "1 2 3 شموس" مع الشاب خالد والشاب فضيل عام 1999. كما أطلق ألبوما بعنوان" زووم" ضم فيه 9 أغان جديدة وأغنيتين بتوزيعات جديدة، هما "فولا فولا" و"زوبيدة" التي سماها في ألبومه الجديد "جميلة"، في حين صدر له ألبوم بعد وفاته بسنة، بعنوان: "أنا إفريقي".
نضال رشيد ضد العنصرية والظلم
"عالم بدون عدالة، هو عالم يسير على غير هدى"، هكذا كان يقول رشيد طه، وهكذا كان منهاجه في الحياة، كما أكد أيضا في حوار صحفي، شهرا قبل وفاته المفاجئة، أن التلفزيون الفرنسي لا يستضيف ولا يتحدث عن العرب إلا حينما يقوم عربي ما بفعلة سيئة، مثل قيامه بعمل إرهابي أو ممارسته لرياضة كرة القدم، لكنه لا يتطرق إلى الأشياء الجميلة التي يوقعها العرب، مثل الإبداع الفني، مؤكدا كره الأوروبيين للعرب، بل نعتهم بالعنصريين، مؤكدا عدم مبالغته، وهنا قدم مثالا عن إقصاء المدرب الفرنسي لفريق كرة القدم لكل لاعب عربي، ليختتم كلامه، بأن العربي الوحيد الذي يتحدثون عنه، هو "الكسكسي".
لم يكن عربيدا، بل كان مريضا عانى رشيد طه من مرض وراثي نادر جدا اسمه "متلازمة ارنولد كياري" الناتج عن زواج الأقارب، حيث أن والده ووالدته كانا أبناء خالة. وهذا المرض الذي ورثه رشيد كان عبارة عن تشوه خلقي في المخيخ المسؤول عن التوازن، بالتالي كان يصيب صاحبة باضطرابات عصبية. وقد صرح أن أكثر ما أحزنه هو ظن الجمهور أنه يقف على خشبة المسرح في حالة سكر، بينما كان ما يعانيه في حركته واحدا من أعراض المرض العضال الذي واجهه لأكثر من 30 عاما، ولم يحاول الفصح عنه حتى لا يكسب تعاطف الناس، ليرحل إثر نوبة قبلية مفاجئة، في 12 سبتمبر 2018، عن عمر ناهز 59 سنة، وقبيل ستة أيام عن عيد ميلاده الستين، رحمه الله.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك