يزعم السكان في الأحياء المحاصرة أن جيش النظام السوري يستهدف المخابز لتجويع المقاومة
لندن ـ سليم كرم
تناول الباحثون السياسيون "صعوبات الحياة اليومية في أحياء دمشق، والمتمثلة في الحصول على الطعام، ولا سيما رغيف الخبز في ظل تواصل المعارك الدموية للسيطرة على العاصمة السورية".
وفي هذا السياق، عقدت صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية لقاء مع أحد موظفي البنوك التجارية الذي اضطرته
ظروف الحرب الأهلية إلى ترك مكانه في البنك والوقوف بملابس التمويه العسكرية وراء ساتر رملي، وتحولت مهمته من التعاملات المالية إلى القتل والدماء داخل حي اليرموك في العاصمة. ويقول نزار الذي رفض أن يذكر اسمه كاملا إنه "لم يكن يرغب في المشاركة في القتال، ولكن الظروف اضطرته مثلما اضطرت غيره إلى ذلك، اضطرارًا للدفاع عن الحي الذي يسكنه ضد العصابات المسلحة". ويشاركه في ذلك الكثيرون منهم المهندس ومنهم الميكانيكي.
وقد تلقى نزار ورفاقة تدريبات استمرت 40 يومًا تلقوا خلالها من جيش النظام السوري أسلحة، ليكونوا أفرادًا ضمن قوات الأسد للدفاع عن منازلهم ضد المقاومة التي يعتقدون بأن أفرادها من الأصوليين والمتعصبين والمرتزقة الأجانب. وهم يخوضون الآن معارك أشبه بتلك التي كانت تشهدها شوارع سراييفو عاصمة البوسنة قبل عشرين عامًا.
وفي ظل هذه الأجواء الدموية، ينتظر المدنيون لحظة يتوقف فيها تبادل النيران، كي يعبروا الطريق من أجل الحصول على الخبز. إنهم يعيشون في منطقة يسيطر عليها أفراد المقاومة منذ عدة أشهر. ويسمح كلا الطرفين بممرات للمدنيين من أجل شراء الطعام لعائلاتهم.
وتصف الصحيفة "بعض مشاهد المعاناة والرعب اليومية التي يعيشها السكان هناك ولاسيما النساء والأطفال وهم يعبرون الشوارع وعلى وجوههم ملامح الهلع والذعر، وفي ظل هذا المشهد تستند امرأة عجوز بذراعها على كتف فتاة صغيرة، وامرأة أخرى تدفن وجهها في كفيها، وأخرون يمسكون بأرغفة الخبز الساخنة وهم يفرون بحياتهم في مشوار يتكرر يوميًا على مدى الأسابيع الستة الماضية".
وفي الوقت الذي يعبر فيه السكان الشارع بسرعة، يقوم نزار ورفاقة بإطلاق نيرانهم في الاتجاه الآخر من الشارع من وراء سواتر رملية.
وفي مكان آخر، يقف المئات في طابور طويل أمام مخبز حكومي على أمل الحصول على الخبز، قبل أن تنفد كمية دقيق ذلك اليوم، إذ تعاني المدينة من قلة المخزون من دقيق الخبز على مدار الأسابيع الماضية، ولا تقتصر المعاناة على الخبز وحده، وإنما تمتد أيضًا لتشمل البترول والنفط والغاز والتدفئة. وتؤكد الصحيفة أن "دمشق تعاني من تأثير الحرب والعقوبات المفروضة على نظام الأسد على نحو لم تشهده من قبل".
ويزعم سكان الأحياء المحاصرة في المدينة أن "قوات النظام تستهدف المخابز بهدف تجويع أفراد المقاومة ودفعهم نحو الاستسلام، وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد نقاط التفتيش في كل مكان، إضافة إلى شلل حركة المرور في المدينة، وندرة الأطباء والممرضات في المستشفيات بعد فرار الكثيرين منهم، وخلال الأسبوع الماضي، عم الظلام أرجاء المدينة كافة لمدة 12 ساعة، أما المطاعم التي ظلت مفتوحة على مدار الشهرين الماضيين، فقد بدأت في إغلاق أبوابها".
ويحدث هذا في ظل أجواء القصف، وإذ تتخذ قوات الجيش مواقعها في الجبل المطل على العاصمة لقصف الأحياء التي يسيطر عليها أفراد المقاومة مثل درعية التي كان تعدادها يبلغ 200 ألف نسمة، ولكن العدد تقلص إلى عشرة آلاف، ثلثهم من أفراد المقاومة، لقد تحولت درعية التي يحاصرها الجيش الحكومي الآن إلى رماد. ومع ذلك، فإن إحساس الناس قد اعتاد على تلك الأصوات التي لم تعد تحرك فيهم ساكنًا.
وأضافت الصحيفة أن "المنفذ الوحيد لمعرفة ما يحدث هناك، بات هو مشاهد وتسجيلات الفيديو التي يعرضها النشطاء على شبكة الإنترنت والتي تكشف انتشار الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض، وتمثل المعركة على درعية أهمية إستراتيجية وحيوية كبرى، لأنها تقع على حافة الجانب الغربي من العاصمة القريب من المطار العسكري، كما أنها المنفذ نحو وسط المدينة، وفضلا عن ذلك، فهي تبعد 2 كيلومتر تقريبًا عن مقر إقامة بشار الأسد ومقر حرسه وجيشه.
وتقوم طائرات الميغ الروسية باستهداف الدرعية وغيرها من المناطق في دمشق يوميًا بهدف قتل أفراد المقاومة التي تختبئ وتقاتل هناك. وتؤكد الصحيفة أن "الضحايا هم في الغالب من المدنيين الأبرياء"، وتشير في ذلك إلى "انهيار تام لمبنى من أربعة طوابق من جراء شدة القصف التي طمست معالم عائلتين بأطفالهم، وهي مشاهد باتت معتادة، إذ لا يتردد النظام السوري كما ذكرت الصحيفة في القيام بأي عمل من أجل كسب معركة البقاء". ويصر متحدث باسم الحكومة على أن "النظام بدأ في كسب معركته ضد المقاومة"، وينفي أنهم "يستهدفون المدنيين الأبرياء". كما يقول كذلك إن "ضحايا الحرب في سورية تفوق 60 ألف قتيل، إذ يزعم أن هناك سبعة آلاف جندي سوري قد قتلوا لم تدرجهم الأمم المتحدة ضمن قائمتها".
وتشير الصحيفة البريطانية كذلك إلى أن "معظم أحياء العاصمة يسيطر عليها النظام، ولا يدور فيها قتال، وفي الوقت الذي يتعرض فيه عدد من المباني الحكومية بتفجيرات انتحارية، يقوم أفراد المقاومة بشن بعض الهجمات".
ولا تتوافر فرص كبيرة للمقاومة لاختراق مركز العاصمة والسيطرة عليها، وأن معركة السيطرة على العاصمة وصلت إلى طريق مسدود، إذ القتال يدور في الضواحي والمناطق المهمشة، وتؤكد الشواهد كافة أنه "لن يخرج من هذه المعركة طرف منتصر، ولن يستسلم أي من طرفيها للطرف الآخر".
وتؤكد الصحيفة أنه "وبعد مرور عامين على الثورة، فإن ثلث الشعب السوري يلتف حول الرئيس الأسد، وثلث آخر يتطلع إلى شنقه، أم الثلث الأخير فهو ينتظر ما ستكشف عنه الحرب الراهنة. وقد ينتظر هؤلاء طويلا قبل أن يشهدوا مصير الأسد وسورية".
وفي الوقت الذي كان السوريون يتباهون بدمشق وتسامحها العقائدي، تتزايد أعداد الذين يغادرون المدينة، التي تشهد حاليًا غليانًا على أطرافها، ولكنها لن تسقط في أيدي المقاومة قريبًا".
أرسل تعليقك