عندما يستخدم أكثر من ثلث التعداد العالمي شبكة الإنترنت ومواقعها الاجتماعية، فإن التنافس على الوجود عليها واستغلالها من الشركات الكبرى يصبح مفهوماً. لكن عندما يتخطى هذا الوجود والاستغلال حدود وقواعد احترام خصوصية الآخرين ويتعدى عليها، تصبح المطالبة بفرض قيود ورقابة على الإنترنت مشروعة.
على المستوى العام، ربما كانت فضيحة تسريب معلومات مستخدمي «فيسبوك» إلى شركة تحليل المعلومات «كامبردج أناليتيكا» من أشهر الفضائح التي تفجرت في السنوات الأخيرة، وأدت إلى فرض قيود عالمية جديدة على شركات التواصل للحفاظ على سرية معلومات مستخدميها.
حجم الفضيحة كان هائلاً، وكذلك الغرامة التي دفعتها الشركة. وبعد تحقيقات فيدرالية أميركية تأكد تسريب «فيسبوك» لمعلومات شخصية تخص 87 مليوناً من مستخدميها، من دون معرفتهم أو موافقتهم، إلى شركة «كامبردج أناليتيكا» التي تم تصفيتها فيما بعد. واستخدمت الشركة هذه المعلومات من أجل الدعاية السياسية لجهات أميركية وبريطانية في الانتخابات.
وأوقعت اللجنة الفيدرالية غرامة مالية على «فيسبوك» بلغ حجمها خمسة مليارات دولار. ولم تتعد الغرامة البريطانية مبلغ 660 ألف دولار، وهي القيمة القصوى المسموح بها قانونياً في مثل هذه الحالات. واعترفت مؤسسة «فيسبوك» بأنها أتاحت معلومات عن مشتركيها لشركات أخرى مثل «أمازون» و«ياهو»، كما أنها جمعت أيضاً معلومات وأرقام هواتف من مستخدمي شركات أخرى مثل «غوغل».
ونتيجة لنشر معلومات الفضيحة من موظفة سابقة في «كامبردج أناليتيكا» هبطت قيمة «فيسبوك» السوقية بمليارات الدولارات في عدة أيام.
بخلاف قضية «كامبردج أناليتيكا» هناك أيضاً فضائح متعلقة بتدخل جهات سياسية وشركات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الغربية، وفي محاولات تغيير نتائجها. وكان أشهر هذه القضايا شبهة تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية الأخيرة لصالح ترمب، وعلى حساب منافسته هيلاري كلينتون.
ولا يقتصر التدخل في الانتخابات، أحياناً بما يعرف باسم «الأخبار الكاذبة» أو «الملفقة»، على الانتخابات الأميركية وحدها، فهناك أيضاً تدخلات مرصودة أكاديمياً على الانتخابات من الصين في تايوان، ومن روسيا في لاتفيا. وتم رصد تدخلات في انتخابات الهند والبرازيل والفلبين أيضاً. وأحياناً يكون الاستغلال السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي من جهات سياسية معارضة داخل الدول نفسها.
وترى بعض الجهات الأكاديمية أن استغلال الإنترنت والتواصل الاجتماعي سياسياً كان وراء شعبية التوجهات اليمينية الحالية، في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتشير الدراسات إلى أن مسؤولية الحفاظ على الديمقراطية تقع على عاتق الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
من ناحية أخرى، أدت فضائح مواقع التواصل إلى إحداث تغييرات جذرية في سياسات شركات التواصل الاجتماعي، مثل خفض مستوى الأخبار من «فيسبوك»؛ خصوصاً من الجهات العامة والشركات، ورفع مستوى التواصل بين العائلات والأصدقاء.
وأدخلت مؤسسة «إنستغرام» لوغاريتمات لوقف الإعلانات التي تدس بين المحتوى العام من مستخدمي شبكتها. كما تقبل شبكة «تويتر» على إغلاق ما يقرب من مليون حساب يومياً، عليها شبهات، من دس المعلومات الخاطئة، إلى الإعلانات غير المصرح بها، أو الحسابات الوهمية.
هذه الإجراءات جاءت بعد اكتشاف «فيسبوك» و«تويتر» أن ثلث المستخدمين من مواليد عام 2000 وبعده قرروا إلغاء حساباتهم والانسحاب من الشبكات، إما بصفة مرحلية وإما دائمة. وتراوحت مخاوف الصغار ما بين الحفاظ على سرية المعلومات؛ خصوصاً بعد فضيحة «كامبردج أناليتيكا»، ومخاوف على الصحة النفسية، خصوصاً على موقع «إنستغرام».
وشعر بعض المستخدمين بأن هذه الشركات تستغلهم تجارياً، أحياناً عن طريق «المؤثرين» الذين تستغلهم الشركات في تسويق منتجاتها إلى مستخدمي الشبكات.
على المستوى الفردي، تتفاعل هذا العام عديد من الفضائح التي تكشف كواليس ما يجري في الخفاء في مواقع التواصل الاجتماعي. من أهم القضايا التي تفجرت في الأشهر الأخيرة حالة «المؤثرة» كارولاين كالواي التي يتابعها 800 ألف شخص على مواقع التواصل. فقد كشفت صديقة لها أن كارولاين تشتري الأصوات، ولا تلتزم بتعاقداتها، وأن كتاباتها على الإنترنت يقوم بها صحافي يكتب بالنيابة عنها ولا ينشر اسمه. واعترفت كارولاين بعد ذلك بأنها مدمنة على المهدئات، وبأن ما قالته صديقتها السابقة صحيح. وظهرت هذه الحقائق إعلامياً بعد عدة سنوات من خداع هذه «المؤثرة» لجمهورها.
«مؤثرة» أسترالية أخرى اسمها بيل غيبسون، اشتهرت بسبب اعترافاتها المؤلمة بأنها مصابة بالسرطان، وبأنها خضعت لعمليات في القلب. ولكن التعاطف معها انقلب إلى مقت بعد اكتشاف كذبها، وأنها بصحة جيدة وثرية على حساب المتعاطفين معها. وكانت غيبسون تكسب الملايين من التبرعات، ومن بيع منتجات طبيعية لمكافحة السرطان التي قالت إنها مفيدة بدلاً من العلاج الطبي التقليدي.
كثير من الفضائح الفردية ارتكبتها شركات بلا وعي، وأثرت على سمعتها وتسويقها. ويتذكر العالم كيف ارتكبت شركة طيران أميركية خطأ جسيماً بسحب راكب على الأرض عنوة لإخراجه من الطائرة، بعد مشكلة عدم وجود مقعد له على الطائرة رغم حجزه المسبق. وبعد انتشار صورة الاعتداء على الرجل على مواقع التواصل، لم يعتذر رئيس الشركة عن الواقعة؛ بل شكر طاقم الطائرة على اتباع الخطوات الصحيحة في هذه الحالة. وانقلب الرأي العام ضد الشركة، وانخفضت قيمة أسهمها.
شركة أخرى للمستحضرات النسائية عرضت على مواقع التواصل فكرتها الجديدة لزجاجات «شامبو» بتصميم جسم نسائي يتناسب مع أشكال وأحجام الأجسام الحقيقية للمستخدمات. وثارت النساء على الفكرة التي تفضح المستور، بعد أن اختارت أغلبية النساء الزجاجات النحيفة، وتركت زجاجات مليئة الحجم رغم أنها تحتوي على كميات أكبر من «الشامبو».
من الفضائح التي تصيب الشركات ما ينتج عن ضعف تأمين مواقعها الإلكترونية، وتعرضها لـ«الهاكرز»؛ كما حدث مع شركة استهلاكية كبرى في أميركا، نشرت على موقعها إساءة للرئيس ترمب، ورغبتها في عودة الرئيس أوباما. واتضح فيما بعد أن الشركة لا علاقة لها بالإعلان، وأن موقعها تم اختراقه.
وهناك أيضاً كثير من فضائح الأخبار المزورة حول وفيات الشخصيات العامة، ورسائل «تويتر» الخاصة بأفراد التي تذاع على العامة بالخطأ. والأخطاء غير المقصودة التي ينتج عنها موجات احتجاج ومقاطعة ضد الشركات المذنبة التي تكون في معظم الأحوال ضحايا لشركات إعلان، أو أخطاء شخصية من أفراد في مجالس الإدارة.
من النتائج التي أدركتها الشركات بعد هذه الفضائح، ضرورة تأمين المواقع الإلكترونية، والحفاظ على أسرارها ومعلومات مستخدميها، والتفكير جيداً قبل طرح تعليقات أو اقتراحات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حالة ارتكاب أخطاء يجب الاعتذار عنها فوراً، ومحاولة إصلاحها بدلاً من الإصرار على الخطأ.
قد يهمك ايضا أ
قوى الشخصيات تأثيرًا على شبكة الإنترنت أبرزها الأمير هاري وميغان ماركل
"فيسبوك" تقدم مكافأة مالية مقابل تسجيلات صوتية للمستخدمين
أرسل تعليقك