بغداد- نجلاء الطائي
اكتشفت النساء العراقيات العديد من المواهب الكامنة لديهن لتعويض النقص الذي خلفه الوضع الامني غير المستقر بسقوط العديد من الشهداء وترك النساء من دون معين ، او اعتماد الجال بشكل كامل على النساء في الامور المنزلية ،مما اضطرت المرأة العراقية تحمل المسؤولية
والتقى "العرب اليوم " بعدد من النساء المكافحات ليسردنا لنا قصصهم مع مشقت الحياة ، حيث أكدت أنعام الحديثي "موظفة" انها مارست هواية الحياكة لصنع ملابسها بنفسها بتكلفة اقل من اسعار الملابس الجاهزة ، كما اجادت صنع "قراصات" و"مشابك" الشعر لها ولقريباتها وصديقاتها مشيرة الى ان هناك نساء استفدن من هذه الهواية كثيرا بطرح منتجاتهن في الأسواق وحسب الموضة السائدة آنذاك ، أما ميسون محمد قاسم ربة بيت فقد مارست هواية الخياطة لسد كافة احتياجات عائلتها وكانت تعمل على تحوير ملابس الكبار لتناسب الصغار وحين ضاقت بزوجها سبل العيش ولم يجد عملا آخر بعد ان فقد سيارته القديمة في حادث اصطدام ولم يعد قادرا على استخدامها كسيارة اجرة ، عملت ميسون على استدانة مبلغ من المال من اهلها ابتاعت به قماشا زاهيا وشرائط من الساتان وزهورا ملونة لتصنع منها ملابس اطفال جميلة وتعرضها على المحلات ، وهكذا ، تمكنت من مساعدة زوجها والاعتماد على نفسها لكن ممارسة الخياطة طوال اليوم اضافة الى الاعمال المنزلية الاخرى اتعبتها مبكرا واورثت فيها آلاما في الظهر والرقبة وضعفا في البصر .
واضطرت "ام محمد" إلى الحلول محل العمال في بعض المهام لتختصر التكاليف فقد سافر زوجها للتدريس في الاردن وكان يرسل لها المال لتبني به منزلا لأولادها في قطعة الارض المتواضعة التي تركها له والده ، وبالفعل ، باشرت ام محمد مهام البناء واستنهضت همم اولادها واولاد اشقائها لإنجاز الكثير من مهام المنزل فقامت بصبغ المنزل ونقل الطابوق والاسمنت كما كانت تغطي الاسمنت ليلا لتحافظ عليه من الندى وعملت على تنظيف المنزل بعد انجازه من بقايا البناء وركامه، وفيما يخص تأثيث المنزل ، لم يتبق لها مالا كافيا له فعملت على تجديد اثاثها القديم بشراء اقمشة رخيصة ومناسبة وقامت بـ(دوشمة) الارائك والكراسي وخياطة المفارش والستائر بنفسها كما نظفت الحديقة وزرعت الثيل وشتلات الازهار. كانت ام محمد تعمل بلا انقطاع من اجل ابنائها في اجواء مناسبة ، فيما تقول أم طيبة التي فقدت زوجها في انفجار بأنها وجدت بتنظيف المنازل عملا مناسبا لها لكنها لا تفضل الانتساب لمكاتب الخدمات بل تعمل حسب طلب زبوناتها ، ولا تجد ام طيبة حرجا في ممارسة هذا العمل فهو افضل بالنسبة لها من اذلال نفسها لاقارب زوجها او اقاربها ، ولا تكتفي ام طيبة بهذا العمل بل تعمل على صناعة الاطعمة الخفيفة للنساء مثل ( الكبة ) و(الكليجة ) لتسد معيشتها .
وكشفت السيدة علياء عبد الرحمن معلمة ولها ثلاث بنات وولد في مراحل دراسية مختلفة "ان أهلي واهل زوجي يجدون ان ما افعله ليس الا واجبا وعلي ان لا اضجر او اشكو ثقل المسؤولية، بل وكثيرا ما يقول لي زوجي وهو على يقين بأن كلامه صحيح: هذا هو الزواج مسؤولية كبيرة، المرأة هي التي تدير كل شيء، ويسرد لي حياته حين كانت امه تدير كل شيء ووالده لا يعرف شيئا عن البيت، لانه كان مشغولا بالعمل والسفر والاصدقاء"، وتضيف "لا انكر اهمية الام في البيت ودورها الكبير في وضع اسس وترسيخ عادات للابناء في الاكل والتصرف واللبس وتفاصيل صغيرة مهمة في ترتيب حياتهم ووضع اسلوب خاص بهم يتعاملون من خلالها مع الاخرين، سواء كانوا اقارب او اصدقاء، وللام دورها في دفع اولادها على الدراسة من خلال متابعتها اليومية، الا ان الطفل يشعر بأنه بحاجة ماسة ليكون للاب دور في حياته الدراسية، لان غياب دور الاب سيولد حالة من التمرد في المدرسة والبيت، وتابعت هذا ما لمسته من ابني الذي لم يكمل الدراسة المتوسطة بعد ان فشل لاكثر من مرة، علما اني حاولت ان ازجه مع اصدقائه في دروس خصوصية، لكني عرفت ان الوقت قد فات، وانه لان يستجب لندائي في متابعة دروسه، وعرفت ان الاولاد يصلون الى مرحلة يكون دور الام فيه غير مجد، ويجب ان يكون لشخص اخر دور حيوي وفعال الا وهو الاب، حتى يجتازوا مرحلة المراهقة الاصعب والاكثر تعقيدا في الوقت الحالي".
وأوضحت السيدة احلام داغر (موظفة) "حين يكون هناك اي خلل، او مشكلة او قضية في البيت، اجد اولادي يلقون باللوم علي، بأني انا كنت وراء ذلك، ودهشت حين قالت لي ابنتي: انت من اختار الحياة الزوجية وتزوجت من اجل الزواج دون ان تفكري بمصيرنا وكيف سنحقق احلامنا"، وكان هذا الحديث هو إشارة صريحة بأن مسوؤلية البيت وكل ما يحدث فيه يقع على عاتق المرأة فقط على ما تقول أحلام وتضيف "كأن عمري مرهون باعمارهم واحلامهم وامالهم في تحقيق حياة مرفهة وجيدة بعيدة كل البعد عن المشاكل"، واستطردت قائلة: قد اكون انا السبب في ذلك، فقد توليت مهام البيت كلها بعد ان وجدت ان زوجي لا يبالي بما يحدث، ولا يعطي اي اهمية لما احتاج ولما اريد، وحين كنت اطلب منه ان يشتري قطعة ارض وان يفكر في بناء بيت لنا، على ان نتعاون في انجازه من اجل مستقبل الأولاد، كان يتهرب ويعتبر ان هذه مسؤولية كبيرة ان لم تكن مغامرة، وكنت اعرف عنه وعن عائلته الكسل واللامبالاة، فقلت انا من سينهض بالبيت وسيكون كل شيء على ما يرام حتى لا أكون محل لوم الاخرين، وتكمل داغر بان تدع عجلة الحياة تسير وانا اقف متفرجة، وان كان بإمكاني ان انهض فليكون لي دور او اكثر من دور دون ان اشغل يومي بلوم زوجي، بل اخذ زمام الامور واسير في ركب الحياة مع اولادي حتى لا أكون مقصرة، ولا يكون دوري باهتا، ولا أنكر اني كثيرا ما كنت افتقد لدوره، فالرجل هو له الدور الكبير في حياة المراة والأولاد حين يعرف دورة وحدود مسؤوليته، وفي كل الاحوال كنت احاول ان ازجه معي في مسؤولية البيت والأولاد، وحين اطلب منه ان يذهب الى المدرسة للاطلاع على مستوى الاولاد كان يقول لي: "هذا ليس شأني بل هو شأنك ان تتابعي مستواهم الدراسي وتحلين مشاكلهم في المدرسة" وصرت انا لوحدي، على الرغم من وجوده بيننا الا انه كان يغيب دائما بحجة او غير حجة".
وأفادت شهلاء سعد: "تزوجت منذ اربع سنوات، تواعدنا على ان تكون حياتنا تعاون ومشاركة في كل شيء، فاعمارنا متقاربة وحتى اننا في نفس المستوى العلمي والدراسي، وما ان رزقت بطفلي الاول، حتى بدأ يتهرب من الذهاب معي الى الطبيب، ويزج والدته في ذلك، لكني كنت ارفض واصر على ان يرافقني هو، لكني بصراحة وجدت ان الاصرار معه لايصنع منه رجلا يتحمل المسؤولية، فقد اصبح يفتعل الاعذار ويكلف شقيقه الصغير بأن يأخذ اولادي الى الحضانة، بل صار يكلف والده بكل تفاصيل حياتنا، حتى وجدت نفسي اشارك والده هذه الحياة فوالده يقدم لي كل شيء، حتى لا اتذمر وحين اقول له هذا مسؤولية زوجي يقول لي: هو مازال مراهقا، ولا يعرف شيئا عن المسوؤلية، وانا من يتكفل بكل ما تريدين، اشعر بأني أكثر نضجا منه، حين احاول ان اجعل له دور في حياتي، لاني ما كنت اريد هو ان يشاركني في كل تفاصيل حياتي حتى يعرف معنى الحياة الزوجية ومعنى تربية الاولاد وسد احتياجاتهم والاكثر من هذا يجب ان يكون الرجل دائما في المشهد وامام اولاده حتى ينعمون بحبة وحنانه لكني بصراحة كنت اجده يتهرب من ذلك. وصرت اشارك امه وابيه حياتي ومتطلباتي، لكن الى متى".
وأعلنت السيدة رجاء جمعة (تربوية) " ان من اهم ما يعزز الحياة الزوجية ويطيل عمرها هو قضية المشاركة والتشارك والتعاون وجعل كل ما في الحياة الزوجية يقع تحت ما يسمى القاسم المشترك بين الاثنين، وهذا يقع في البداية على المرأة والرجل ومن ثم المجتمع والقوانين الاجتماعية السائدة في المجتمع، والتي لها الاثر الكبير في جعل الاسرة تعيش حياة متكافلة، مما لاشك فيه ان على الوالدين الحرص على تربية ابنائهم على الشعور بالمسوؤلية وان يتعامل الاب مع الابن وفق عمره فما ان يجتاز مرحلة الصبا عليه ان يراه رجلا يعتمد على نفسه ويكون له دور في البيت، من هنا سيكون رجل يشعر بأنه يجب ان يحتوي نفسه ويعزز من دوره، بالأخص حين يتزوج، ومن الخطأ الفادح ان نلقي باللوم على الرجل لانه لايشعر بالمسؤولية، بل يجب ان نفتح امامه الابواب ليكون له دور دون ان نقلل من شأنه، المرأة بإمكانها ان تضع في ذهن الرجل المسؤولية دون ان تشتكي من ذلك".
ومازالت المرأة العراقية تواصل السعي للتحرر من قيود متعددة ومن عبودية للرجل والتقاليد والعمل وحتى للظروف الاجتماعية والسياسية وانها تتحرق شوقا الى تجسيد دور المرأة (المدللة) وألا يطالبها أحد بالصبر على فقدان الأمان والأحبة والديار وانتظار ما لا يأتي والتقشف واحتمال اعباء ترهق كاهلها طوال سنين.
أرسل تعليقك