تتعدد الألقاب التي يسعى بها محبو السيدة المصرية ماجي جبران، لتتويج حالة المحبة التي ترتبط بسيرة تلك السيدة المصرية وعملها وسط الفقراء منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، فيُطلقون عليها «الأم تريزا المصرية»، «القديسة ماجي» و«أم الفقراء»، فيما تعتبر هي أن لقب «ماما ماجي» هو الأقرب لقلبها، وأكثرهم صلة بمعان الإنسانية والكرامة.إلى جانب ترشيح الأم ماجي أكثر من مرة لنيل جائزة نوبل للسلام، وكذلك حصولها على العديد من التكريمات منها جائزة «صناع الأمل» في دبي عام 2017. قامت هيئة الإذاعة البريطانية أخيراً بتسميتها كواحدة من بين 100 سيدة مُلهمة على مستوى العالم، وجاء في حيثيات اختيارها أنها «كرست حياتها لتغيير حياة الأطفال المهمشين في مصر، فتركت حياة الترف ومهنة أكاديمية مميزة لكي تكرس كل طاقاتها لتراقب الأولاد وتغسل أقدامهم ولتقول لهم وهي تنظر في عيونهم إن حياتهم مهمة».
في حوارها مع «الشرق الأوسط» تتحدث «ماما ماجي» بشأن ما يعنيه لها معنى الإلهام الذي ترى أنه بالنسبة لها «قوة قادرة على تشجيع الناس على إنجاز عمل جيد»، وتضيف تعليقاً على اختيارها ضمن 100 سيدة ملهمة في العالم «أشكرهم على أنهم رأوا أنني نموذج للإلهام، وأرى أن كل إنسان في العالم لديه جانب مُلهم، يُلقي الله بالحماس في قلوبهم لفعل أشياء صالحة وسامية، وأي تكريم لا يكون لفرد فقط، يكون للفكر والجهد وللروح التي انطبعت على فريق العمل، وهو انتصار لقيم الخير والجمال والإنسانية، فطريق النجاح جميل حتى بصعوباته».
طفولة
بدأت محطات عمل «ماما ماجي» مع الفقراء بداية من جمعية «ستيفنز شيلدرن» الخيرية التي أسستها عام 1985. وهو قرار غيّر شكل حياتها بالكامل تقول: «منذ طفولتي وقد تأثرت بوالدين طيبين، والدي كان يُعالج المحتاجين بالمجان، وكانت أخته تُطعمهم بالمجان أيضاً، وهذه بالنسبة لي ذكريات مُلهمة تركت آثارها داخلي، فنشأت على أن الإنسان يجب أن يكون له دور في الحياة يُفيد به أكبر عدد من الناس، وشعرت أيضاً أنني كما عايشت ولمست الحنان والعطف ممن حولي في طفولتي كنت أريد أن أقدم مثلهم للآخرين، وكلما تقدمت في العمر عرفت أن السعادة الحقيقية في أن أُسعد الآخرين، فالحياة فن، لا يكتمل الاستمتاع بها سوى بالعطاء، لذلك فلا زلت أتذكر إلى اليوم موقفاً حدث قبل تفرغي للخدمة، عندما كنت في زيارة لمنطقة بها محتاجون، فتشبث يومها بي طفل بيده ودموعه تملأ وجهه طالباً مني ألا أغادر، لازلت أتذكر كلمته لي «ما تمشيش»، هنا اختلفت حياتي تماماً، وشعرت بأن لي دوراً أمنحه لمثل هذا الطفل، وما فعلته مثال موجود في كل مكان وكل تاريخ.
لعل هذا العطاء الذي ارتبط بمسيرة السيدة ماجي جبران في العمل الخيري التي تزيد عن ثلاثين عاماً جعل الألقاب تتوالى عليها، فيما تتوقف هي دائماً عند لقب «ماما ماجي»، تقول: «لقب ماما وسام كبير بشكل لا يمكن وصفه، أحب أن يقول لي كل إنسان (ماما)، أشعر وأنا أسمع تلك الكلمة أن قلبي يقفز من السعادة، فتلك الكلمة تعكس معاني المجد والكرامة والجمال، نعمة أكبر من كل نعم الحياة، فكل إنسان وكل مخلوق في الحياة له أم، فتلك الكلمة تجسيد للإنسانية كلها، هي أصل كل الأشياء».
الفقير غني بحبه
تتأمل «ماما ماجي» حياتها مع الأطفال، هذه المحبة المتبادلة وكذلك الدروس اللانهائية التي يمكن التوقف عندها بكثير من التقدير، تقول: «الأطفال كنوز متحركة، لم أفكر عندما بدأت العمل معهم قبل نحو 32 عاماً ما الذي يمكنهم أن يعلموني إياه، أو يقدموه لي، ولكنني اليوم أستطيع أن أقول إنني أخذت أكثر مما قدمته بكثير، فالطفل يعطي أمه سعادة وفرحاً، تعلمت أن الفقير غني بحبه، لقد رأيت عجائب من هؤلاء الأطفال، فمثلاً قبل أيام كنا ننظم مسابقة للجري بين الأطفال، وبينما الجميع ينافس للوصول والفوز، تعثر أحد الأطفال في منتصف الطريق، وسقط أرضاً، فإذا باثنين من زملائه يقررون التوقف عن المنافسة والرجوع للخلف وإصرارهم على أن يساعدوا زميلهم بالاتكاء عليهم والسير معاً، فما إن رأى باقي المتسابقين هذا المشهد حتى قاموا بالمثل وساروا معاً، وأعلوا دون قصد منهم قيمة المساندة والإخاء، فمنحتهم لجنة التحكيم جميعاً جوائز، فالألم الذي شعر به زميلهم علمهم جميعاً، فالألم هو أكبر مدرسة في الحياة».
مفتاح التعليم
تولي رابطة الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها الأم ماجي جبران اهتماماً خاصاً بالتعليم، تقول عنه: «نُقدر كل وسيلة تعليمية تسعى لكسر الحلقة المفزعة للجهل والفقر والمرض، فالتعليم يجب أن يكون مفتاحاً سليماً يفتح الأبواب، ونحن نسعى إلى جانب تشجيع الأطفال على الذهاب لمدارسهم، أن نقدم برامج تعليمية تسعى لأن يتعرف الطفل على قيمة نفسه، فالإنسان إذا عرف قيمته تصالح مع نفسه، وإذا تصالح مع نفسه يتصالح مع السماء والأرض، فنحن إلى جانب اهتمامنا بالنشاط الرياضي، نهتم بالنشاط العقلي الذي هو مركز توجيه الإنسان وكنزه، نعلمهم الابتكار، فقد خرج من عندنا اليوم من أصبحوا فنانين وشعراء ومُلهمين، وكم يسعدني عندما أسافر لكثير من دول العالم أن أجد شباباً يسلمون علي ويقولوا لي إنهم كانوا معنا في الجمعية، وكثير منهم يسعى للتطوع معنا لمواصلة حلقة العطاء التي شعروا بها وهم صغار».
جوهر الحب الحقيقي
ترفض «ماما ماجي» أي ادعاء بأن أنشطتها وخدمات جمعياتها تُمنح على أساس ديني: «أنا لست الرب كي أحكم على أحد، كلما ابتعدنا عن الأحكام والإدانة اقتربنا من جوهر الحب الحقيقي ومن الله، فأنا أقدم المساعدة للجميع دون سؤال عن دينه أو معتقده، أتذكر الآن يوماً كنت أسير فيه في إحدى المناطق المحتاجة فوجدت طفلاً يمسك بقطعة زجاج كادت تقطع يده، أنقذناه فوراً، هل يُعقل أن نفكر للحظة في دينه قبل إنقاذه، أتمنى أن ينتشر هذا الفكر في كل العالم، ألا نرفض أحداً أو نفكر في إنقاذ محتاج لمجرد اختلافه عنا، فلدينا في فريق العمل أطباء متطوعون مسيحيون ومسلمون على السواء، فأنا أؤمن أن ما يزرعه الإنسان يحصده».
وتتابع في السياق ذاته: «التعصب شيء مؤذي وهدام، وهو حجب لرؤية الحق، والعاقل في كل مكان لا يمكن أن يسمح بالتعصب مهما كانت دوافعه، والتسامح يبدأ بتسامح الإنسان مع نفسه، فمن يعيش دون تسامح يعيش في ألم فظيع، ولنتعلم من رب الناس كيف أنه يُشرق شمسه كل صباح على الأشرار والصالحين على السواء، وكأنه يمنح الخير للجميع، كلنا واحد نولد من أم، نعيش فترة ونرحل، التسامح يبدأ بفكرة أن وجود أي شخص مرتبط بوجود الجميع، حتى لو اختلفوا عنه في الرأي».
أبكي الحرمان
تتأمل الأم ماجي تاريخها الطويل مع قصص الفقر والمحتاجين بفيض من التأثر «منذ بدأت العمل لمساعدة المحتاجين وأنا أبكي كل يوم، أبكي بسبب ما أراه من الأطفال، أبكي الحرمان والمجروحين، والمغلوبين على أمرهم، لم أكن أتخيل قبل عملي معهم أن الحياة بها أمور بتلك الصعوبة، ومع ذلك أرى من الأطفال غاية الحماس والنقاء والرغبة في العطاء، أحياناً أعطي لطفل طعاماً فألاحظ أنه لا يأكله، أسأله إذا كان لا يعجبه، وأفاجأ أنه يحتفظ بالطعام كي يعطيه لشقيقه الجائع عندما يعود للبيت، هذا العطاء يعطيه الفقير بلا حدود.هناك أمثلة لا حصر لها فأنا أعمل كل يوم ليل نهار وسط الأطفال ومع فريق عمل رابطة الجمعيات، ولا يخلو يوم أبداً من عبر ودروس مُبكية».
لعل هذا الزخم الذي يميز تجربتها يدفعنا لسؤالها عما إذا كانت تنتوي جمع سيرتها الذاتية في كتاب قائلة «يشجعني كل من حولي على ذلك، فلدينا منجم من الحكايات الملهمة للإنسانية».وسط هذا الزخم من الإنجاز الخيري، هل تتصور ماما ماجي حياتها ولو للحظات لو كانت قد استمرت في العمل كأستاذة في الجامعة الأميركية؟ تجيب قائلة: «لم أفكر في هذا أبداً، وممنونة لكل من عرفت من ناس، بداية من آبائي وأجدادي مروراً بأبنائي الأطفال وأحفادي والعاملين معي وزملائي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فأنا أؤمن أن لكل شيء تحت السماء وقتاً، كنت أُعلم في الجامعة والآن أنا في فترة تعلم، أتعلم من الأطفال وغيرهم، فالحياة ثرية جداً، كالزهور والموسيقى، أرجو من كل إنسان ألا تنتهي حياته قبل أن يُشارك النغمة الجميلة داخله مع الوجود.
وفي نهاية عام صعب مرّ على العالم، تتأمل الأم ماجي جبران، الحياة بعد «كورونا» بمشاعر لا تخلو من تأمل وبصيرة: «كورونا رسالة للعالم من الرب، رسالة تقول لكل شخص أن ينتبه ويتأنى، فلو أننا نسير بسرعة في الطريق لما انتبهنا لوجود إشارات مرور، هكذا الحياة تأخذنا بإيقاعها السريع دون منحنا لحظات للتأمل، فالعالم يقضي ساعات طويلة من عمره في معمله للتوصل لتركيبة دواء، لذا فيمكننا النظر لهذه الفترة بأنها فترة أكثر هدوء لإعادة تأمل حياتنا من جديد».
قد يهمك أيضا :
مراهقة يصل طولها إلى 188 سم وتدخل موسوعة غينيس
أرسل تعليقك