عالم مصغر يختزله منزل يحاكي في تصميمه الهندسة الإيرلندية وينافس الروايات بأنفاقه ومخابئه السرية ولكن أيضا بسر لون طلائه و"أشباحه". البيت الأبيض؛ المنزل الأشهر حول العالم، لا يعتبر فقط مقر إقامة الرئيس الأمريكي، والمكان الذي تخرج منه أهم القرارات المتعلقة بالسياسة الدولية في العالم ويتحرك بأمر من داخله أحد أقوى جيوش المعمورة، وإنما يحكي قصة مثيرة لموقع وموضع يشكل بوصلة اهتمام البشرية.
فيه توليفة لافتة مطعمة بالكثير من التناسق والنشاز أحيانا، وحوله تنسج خيوط روايات يصدقها البعض وينفيها آخرون، لكن المؤكد أن جميع تفاصيل ذلك البيت -حقيقة كانت أم خيالا- تثير فضول العالم بأسره، خصوصا حين تتوجه الأنظار إليه مع تنصيب رئيس جديد. وفي وقت لاحق الأربعاء، يستعد البيت الأبيض لاستقبال ساكنه الجديد، الديمقراطي جو بايدن، الرئيس الـ46 للولايات المتحدة الأمريكية، خلفا للمنتهية ولايته، الجمهوري دونالد ترامب.
لماذا "أبيض"؟
توصيف قد يستوقف الكثيرين ويفجر تساؤلات عن علاقة التسمية باللون لأشهر بيت أمريكي يستقطب سنويا نحو 1.5 مليون زائر. الحكاية بدأت العام 1792 حين كانت أعمال تطوير العاصمة واشنطن جارية عقب حرب الاستقلال، حيث فاز مهندس يدعى جيمس هوبان بمسابقة لتصميم قصر رئاسي يقيم فيه الرئيس ويمارس منه صلاحياته الدستورية.
استوحى المهندس تصميم القصر من نموذج مبنى البرلمان الإيرلندي في دبلن، الشهير باسم "لاينستر هاوس"، وبالفعل بدأت أشغال البناء تحت إشراف الرئيس الأمريكي حينها جورج واشنطن. لكن المفارقة تكمن في أن الرئيس الذي أشرف على بناء القصر لم يقم فيه، بل سكنه الرئيس الثاني جون آدامز عام 1796، ليطلق عليه اسم "بيت الرئيس".
لكن وبعد نحو عقدين من الزمن، تشوهت ملامح القصر بفعل النيران التي أضرمها البريطانيون في "كابيتول سيتي"، وباتت واجهته رمادية تميل إلى السواد، ما استدعى إعادة طلائه لاحقا بالأبيض، اللون الذي جعل مسؤولون يطلقون عليه اسم "البيت الأبيض"، قبل أن يحصل رسميا على اسمه العام 1901.
شبح وأنفاق
من أغرب ما تم تداوله عن البيت الأبيض ما كشفته جينا بوش-هاغر، ابنة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن من تفاصيل مرعبة قالت إنها عاشتها بسبب "أشباح" في أشهر منزل بالعالم.
جينا بوش أكدت، في مقابلة متلفزة، وجود أشباح بالبيت الأبيض، وتحدثت عن انبعاث نغمات موسيقى من موقد بإحدى الغرف. ولفتت إلى أن الأمر حدث ولم تكن بمفردها حيث كانت مع شقيقتها بابرا التي اعتراها الخوف حينها، ولم تتمكن الشقيقتان من النوم طوال الليل. وتكررت القصة نفسها بعد أسبوع من الحادثة.. ذات النغمات والألحان الموسيقية، ولكن في تلك المرة كانت تنبعث من الموقد نفسه رغم أن النار موقدة فيه.
قصة سخر منها كثيرون، لكن البعض استحضر ما قاله رئيس الوزراء البريطاني السابق، ونستون تشرشل، بشأن رؤيته "شبح" الرئيس إبراهام لينكولن جالسا بجوار المدفأة.
ووفق تشرشل، فإنه حين خرج من حوض الاستحمام، فوجئ بالشبح وظل يحدق غير مصدق، وفق تقارير إعلامية. وبعيدا عن الأشباح، تقول صحف أمريكية، بينها "واشنطن بوست"، إن البيت الأبيض يضم مركزا لعمليات طوارئ للرئيس، بني تحت الأرض إبان الحرب العالمية الثانية، ويتخذه الرؤساء ملجأ لهم عند الطوارئ.
أبواب فولاذية عملاقة تؤدي إلى سراديب تحت الأرض، تقود بدورها إلى المخبأ الواقع أسفل الحديقة الشمالية للبيت الأبيض، والذي يتميز بقدرته على مقاومة أي ضربات نووية أو بيولوجية محتملة. وللبيت الأبيض أيضا أنفاق للطوارئ بجميع أنواعها؛ أحدهم يقود نحو موقع مروحية الرئيس، وآخر نحو مقر وزارة الخزانة، بينما تتفرع أخرى نحو اتجاهات بديلة لكل منافذ القصر وأروقته.
مكتب بيضاوي وحدائق
القصر عبارة عن مجمع متكامل، يضم بشكله الحالي 132 غرفة و35 حماما، و412 بابا، إضافة إلى 28 موقدا و8 سلالم، وثلاثة مصاعد، وخمسة مطابخ بدوام كامل، وحوض سباحة وملعب تنس، ومسار بولينغ، ومسرح وسينما. وللبيت الأبيض جناحان أحدهما غربي يضم مكاتب الرئيس ومعاونيه، وأيضا غرفة المجلس، أما الشرقي فيحتوي على مكاتب المساعدين العسكريين للرئيس.
فيما أنشئ مكتب الرئيس العام 1909 على شكل بيضوي استمد منه تسميته حتى اليوم، حيث يطلق عليه اسم "المكتب البيضاوي". وأكثر ما يميز البيت الأبيض في محيطه الحدائق التي تطوقه لتمنحه منظرا رائقا وفاخرا، ما يجعلها تتصدر اهتمامات جميع الرؤساء المتعاقبين على حكم الولايات المتحدة، وزوجاتهم أيضا، حيث تعتبر المحافظة على رونقها وتناسقها من بين بروتوكولات القصر، وهذا ما يفسر كثرة حدائق الفاكهة والورود والمسطحات الخضراء.
وتعد الحديقة الجنوبية من بين أبرز حدائق القصر، تقع جنوب المبنى، وتوصف أحيانا بأنها الحديقة الخلفية لمقر الرئاسة الأمريكية، وتمنح إطلالة شمالية جنوبية على المبنى.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك