الجزائر ـ الجزائر اليوم
صدر مطلع الشهر الجاري، كتاب “أزمة السلطة السياسية: دراسة في الفكر السياسي العربي”، للدكتور عماد مصباح مخيمر، عن مركز دراسات الوحدة العربيةـ وقال الناشر إنه على الرغم من الأحداث والتحوّلات الكبرى التي يشهدها الوطن العربي في السنوات العشر الأخيرة، والتي فتحت الباب أمام إحداث تغيير في أنظمة الحكم في بعض البلدان العربية، فإن تلك الأحداث لم تكن كافية لترسخ نمطاً جديداً من الحكم تقوم السلطة فيه وفق معايير الدولة الحديثة، حيث الشعب هو مصدر السلطات والحاكم ليس سوى وكيل عن الشعب في إدارة شؤون دولته وفق قاعدة واضحة دستورياً للحقوق والواجبات، وللفصل بين السلطات. وهذا ما يبرر الحاجة إلى مزيد من البحث المعمّق في أزمة السلطة السياسية في الوطن العربي وفي المرجعية الفكرية التي تؤسس لهذه الأزمة، التي يسعى هذا الكتاب للبحث فيها.
ويقدم هذا الكتاب مراجعة تحليلية نقدية تفكيكية لمفهوم السلطة السياسية ومصادر شرعيتها ومرجعيتها الفلسفية في الفكر السياسي العربي، وهي مرجعية لا تزال تقوم على التوفيق غير العقلاني بين الموروث الديني- الثقافي من جهة والفكر الحداثي الغربي من جهة أخرى، وهو ما ينتج فكراً ملتبساً يؤسس لواقع مأزوم في السلطة السياسية العربية العاجزة عن مواكبة التطور التاريخي للمجتمع ومتطلباته من جهة، والساعية لإعادة إنتاج الاستبداد وتعميق الشرخ بينها وبين شعوبها من جهة أخرى؛ كما يحلل الكتاب إشكالية العلاقة بين مرجعية هذه السلطة السياسية في الفكر السياسي العربي وبين الممارسات السياسية للسلطة على الأرض في البلدان العربية.
الأهمية النظرية والعملية للدراسة
تتمثل أهمية هذه الدراسة باستخدامها للتأصيل والمزاوجة العقلانية لثنائية مكونات السلطة السياسية في الوطن العربي (الموروث الديني – الثقافي العربي، والفكر الحداثي الأوروبي)، وذلك كبديل لتلك المزاوجة اللاعقلانية غير المرشدة للثنائية ذاتها. وأيضًا تتعلق الأهمية النظرية بمدى مساهمة الدراسة في جانبها النظري في توضيح ظروف وملابسات وتشابكات ظاهرة ما، وما هي جذور هذه الظاهرة؟ ومدى جدية تناولها؟ وما الذي يمكن أن يفيده هذه التناول في إضفاء الجديد وتقديم التحليل والتفكيك، في اتجاه توضيح الظاهرة؟ وتقديم الحلول المبتكرة لنتائجها التي يمكن البناء عليها، لدراسات أخرى مستقبلية. إن المصادر المؤسسة للفكر السياسي العربي بوجه عام، ولمفهوم السلطة وممارستها ومصادر شرعيتها تستند إلى موروث ومفرزات العصور الحديثة، بحيث أصبح هذا الفكر يتأرجح ما بين الأصالة والتقليد. نتيجة لذلك ظهرت أزمة السلطة في الوطن العربي، كنتاج طبيعي لعدم المقدرة على الخروج برؤية توافقية واقعية وعقلانية لمفهوم السلطة ومصادر شرعيتها وممارستها. لقد أصبح مطلوبًا وبصورة ملحّة مراجعة مفهوم السلطة وممارستها ومصادر شرعيتها على نحوٍ نقدي تحليلي وتفكيكي، ومنا هنا تأتي الأهمية النظرية لهذه الدراسة كونها تسهم في البناء النظري والفكري والفلسفي للسلطة في الوطن العربي، بحسب ما أورده المؤلف في مقدمة الكتاب.
أما الأهمية العملية فهي أن تجديد الفكر السياسي مسألة ملحة، كون الفكر السياسي يتميز بالتطور والتباين والمرونة، لذلك فإن عملية التجديد يجب أن تأخذ مكانها في ظل توالد الأزمات وازدياد الإشكاليات، وأن تشكل إطارًا عمليًّا واقعيًّا يسهم في تقديم الحلول للقفز عن كل الأزمات والإشكاليات. وهذه الدراسة، وبتركيزها على أزمة السلطة في الوطن العربي، كمحدد أساسي في خلق العجز في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، قد تسهم في بناء الأطر العملية وتقديم الحلول الواقعية من خلال القراءة العقلانية والمنهجية والتفكيك والتحليل لجميع المعوقات المرتبطة بأزمة السلطة، إضافة إلى أن هذه الدراسة ستحاول الربط ما بين الفكر والممارسة بما يحقق إطارًا عمليًّا بأسس فكرية يتمكن من تقديم الحلول لأزمة السلطة. وفي جانب آخر تعَدّ هذه الدراسة إحدى حلقات الدراسات المتعلقة بالإصلاح السياسي في الوطن العربي ولكن مع تركيزها على أزمة السلطة السياسية، وهذاربما يجعلها استكمالًا لما سبقها من دراسات، وإرهاصًا لدراسات أخرى تليها، وإضافة للمكتبة العربية تخدم الباحثين والدارسين وأصحاب القرار السياسي في الوطن العربي.
منهج الفلسفة السياسية لمقاربة الإشكالية
ترتبط منهجية البحث بالمقاربة التي تنتمي إليها الدراسة، وتعدّ المنهجية محددًا لاتجاه وآلية الدراسة في تناولها وتعاملها مع المصادر للبحث، وصولًا إلى الكشف عن العلاقات والبنى المفاهيمية والوظيفية لمكونات الدراسة، حيث سيرتكز المؤلف بصورة أساسية على الاتجاه الفلسفي من ناحية التفكيك أي الميتافيزيقا الفلسفية، أي البحث في الأصل المتمثل بالموروث ومقابله الحداثي والقضية الصراعية بينهما، وما أدى نتاج هذا الصراع من تكوين لأزمة السلطة السياسية في الوطن العربي. ويأتي بدرجة أقل الاتجاه الثاني القانوني. إن ما سبق لا يعني إغفال الكاتب للاتجاهات الأخرى الاجتماعية، والفلسفية الماركسية، والدينية، وحيث ستكون حاضرة بما يخدم هذه الدراسة، ولكن ليس بالأمر المركزي الخاص بالاتجاهين الأساسيين اللذين ورد ذكرهما.
وبوجه عام، سيتم الاعتماد في هذه الدراسة على منهج ينتمي إلى الفلسفة السياسية. حيث إن الفلسفة السياسية هي ذلك الفرع من فروع الفلسفة الذي يركز بحثه حول اكتشاف الحكمة والحقيقة المتعلقة بالمبادئ الأصولية للحياة السياسية، ومعرفة علاقات هذه المبادئ بعضها ببعض، وعلاقات المبادئ السياسية بالمبادئ الاقتصادية والثقافية.
وأكد المؤلف في مقدمته أنّ الاعتماد على منهجية تنتمي إلى الفلسفة السياسية، تحتم القيام بعملية تفكيك، وعملية التفكيك ضرورية للقيام بعملية نقدية، إضافة إلى أن فهم الواقع يمر عبر ثنائيات، الطرف الأول هو الأصل وصاحب القيم المؤسسة، أما الطرف الثاني فهو الاختلاف بقيمه ومكوناته، ومن هنا يقوم الطرف الأول بالقضاء على الطرف الثاني، وإلغاء تأثيراته. وهذا ما يمكن ملاحظته في الحالة العربية وبخاصة في السلطة السياسية، حيث إن مباشرتها وممارستها تتم في أغلب الأحيان وفقًا للموروث التاريخي كتعبير عن الأصالة، وعلى الطرف الآخر يكون الطرف الثاني (الحداثة) والتي تحاول بدورها أن تأخذ دورًا تكوينيًّا في التأسيس للسلطة السياسية، ولكنها وفقًا للمعيارية القائمة على الثنائية تتخذ صورة الطرف الثاني، وهذا يعني تولد الصراع ما بين الطرف الأول أي الأصالة، والطرف الثاني الحداثة، واستمرارية هذا الصراع أوجد أزمة السلطة السياسية.
ويعتبر الكاتب أن التفكيك يهدف إلى زعزعة الأولية البنيوية لبناء محدد. وتبدأ التفكيكية بتحديد البنية المفاهيمية لحقل نظري معطى، يقوم عادة على زوج أو عدة أزواج متعارضة غير قابلة للاختزال، ثم يلقي الضوء على النظام التراتبي لهذه الثنائيات. تقوم التفكيكية بقلب هذا النظام بحيث يكون ما هو أدنى هو الأعلى وبالعكس، في عملية توافقية مع الخيارات الاستراتيجية والأيديولوجية أكثر من توافقه مع الصفات الجوهرية للثنائيات. ثم تقوم التفكيكية بإدخال مصطلح ثالث على كل زوج من الأزواج المتعارضة، الأمر الذي يعقد البنية الحاملة الأصلية، جاعلًا منها بنية غير واضحة المعالم. إذا كان الإجراءان الأولان يقومان بوصف بنية مفاهيمية معطاة، فإن الإجراءين الآخرين يهدفان إلى تغيير تلك البنية، وإعادة تنظيمها، ومن ثم تحويلها في نهاية الأمر( ). لذا فمن أجل البحث في أزمة السلطة السياسية في الفكر السياسي العربي سيتناول المؤلف مكونات أزمة هذه الأزمة، سواء على المستوى الفكري المرتبط بالأيديولوجيا العربية المستندة إلى موروث ديني وثقافي تاريخي، إضافة إلى المرجعيات القانونية والمستندة إلى مزيج من الفكر الديني– العربي والفكر الأوروبي.
وللإجابة عن إشكالية الموضوع، قسم الباحث هذه الدراسة إلى جزأين: في الجزء الأول منها (تكوين أزمة السلطة السياسية في الوطن العربي) ويتم البحث في هذا الجزء في ماهية المرجعيات الفكرية المبررة لمباشرة السلطة والتي أدت إلى تكوين أزمة السلطة السياسية. وفي الجزء الثاني (أزمة تكوين السلطة السياسية في الوطن العربي) حيث تناول النتائج المترتبة عن تكوين أزمة السلطة السياسية سواء على المستوى السياسي أو القانوني.
قد يهمك ايضا:
"يرماك فاتح سيبيريا" كتاب يمزج بين التاريخ والجغرافيا والمغامرة
كتابة الدولة للإنتاج الثقافي تنظم مشاورة دولية حول وضعية الفنان في ظل الأزمات
أرسل تعليقك