الخرطوم- محمدابراهيم
درجة العادة في السودان في كثير من الأحيان على تسمية المدن والقرى وحتى الشوارع بسكانها الأوائل أو على حسب طبيعة المنطقة، أو حتى موقف أو حكاية، فيتم الامر بصورة تلقائية ويستمر تداوله إلى أن يصبح الأسم معلماً بارزاً للمكانز وكثيرا ما حاولت السلطات الرسمية في مختلف انحاء البلاد تغيير الأسماء القديمة بأخرى جديدة، لكنها تجد صعوبة في التداول والإحلال والإبدال ويظل الأسم القديم ببريقه على طريقة المثل المعروف في السودان (العود من أول ركزة)، فإنَّ التّجارب في تغيير الأسماء القديمة أثبتت عدم فاعليتها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر "حدائق 6 أبريل" المغروسة في وسط الخرطوم تم تغيير أسمها مرات عديدة، ولكن ظلت على حالها القديم منذ (ثورة أبريل) التي انتظمت العاصمة المثلثة في العام 1984، وذات الحال ينطبق على جسر الإنقاذ أو ما سمي سابقاً بكوبري (الشهيد الزبير)، فمنذ إنشائه وحتى الآن تجاوز العشر سنوات لكن لم تفارقه تسمية (الكوبري الجديد)، أما موقف المواصلات الرسمية وسط الخرطوم المُسمى في السجلات الرسمية ومكتوب في مدخل الرئيسي موقف (كركر). والطريف في الأمر أن اسمه الشائع والمتداول موقف (جاكسون) ولن تجد سائق عربة أو "كمساري" ينادي "كركر" فجاكسون حضر في اصوات الركاب والسائقين والكماسرة، فعالم الأسماء تطاله الغرابة في كثير من الأحيان تتحكم فيه أمزجة الناس وعقولهم رغم اختلافها، فيكفي أن إنتقال أسم مدينة (الأندلس) الإسبانية إلى حي ناشئ جنوب العاصمة الخرطوم.
وإذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن منطقة (الشجرة) جنوب الخرطوم كانت تسمى بـ (الحي البريطاني) وتغير الأسم لـ (شجرة غردون)، لأن الجنرال (غردون) زرع شجرة في الحي البريطاني فذهبت الشجرة وصاحبها وبقي الاسم "حي الشجرة" من أعرق أحياء العاصمة السودانية.
وذات الحال ينطبق وقع الحافر على الحافر في الأقاليم والولايات السودانية المختلفة ومنطقة (24 القرشي) تظل شاهدة على هذا الوآقع فتعود تسميتها إلى قنطرة ري تسمى بـ (الفخاخير) نسبة إلى قرية مجاورة لها والرقم (24) هو رقم الموقع حسب التوزيع الهندسي لنظام الري بـ (مشروع الجزيرة)، ثم تغير اسمها لتصبح المنطقة( 24 عبود) عند قيام (ثورة 21 أكتوبر) ضد حكومة "عبود" التي استشهد فيها الطالب " القرشي" فتحولت التسمية إلى قرية (24) القرشي وظل الأسم حاضراً حتى اليوم.
وفي بعض الأحيان تمر هذه التغييرات بلا اعتراض، وقد تسفر عن خلافات شديدة، وترتبط في بعض الأحيان بأسباب سياسية وأخرى جغرافية واجتماعية لتغيير اسم "شاذ" أو معيب لمكانٍ ما، أو عند انقسام دولتين، فعلى على سبيل المثال تم تغيير اسم روسيا إلى (ستالين) لكنها عادت إلى تسمية روسيا، وأيضاً دولة جنوب السودان اقتُرحت لها العديد من التسميات مثل (جوبا) و(دولة النيل) لكن استقر الرأي على مسمى (دولة جنوب السودان) وهو الاسم الحالي للدولة الوليدة.
وفي هذا الجانب تحدث الأستاذ مدثر الأمين لـ "العرب اليوم" قائلا: إن أسماء المناطق ترتبط منذ نشأتها بتسمية يصعب على الجميع تخطيها، فمثلاً قرية (ألتي)، اسمها قديم منذ ثمانية آلاف عام، وقد ورد ذكره في طبقات "ود ضيف الله" الكتاب التاريخي المشهور في السودان فيستحيل تغيير اسمها بعد كل هذه السنين، لكنه أشار إلى أن مناطق تم تغييرها أسمها واستجاب السكان لتلك التسميات على سبيل المثال قرية (عد الغنم) في إقليم دارفور لأرتباطها بالرعي وتحولت إلى (عد الفرسان) وهو اسم ذو مدلول يرمز إلى الشجاعة، وأيضاً قرية (الكدسة) التي إرتبطت بـ "القطط" و"الكديس" هو الأسم الشعبي المتعارف عليه للقطط في السودان فتم تغيير الأسم من "الكدسة" إلى (الواحة).
وفي ذات السياق يقول الدكتور علي الضو أستاذ (الفولكلور) في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية التابع لجامعة الخرطوم، إن لأسماء المناطق رموزًا ومدلولات في الثقافة الشعبية لا تتغير بسهولة، ولها وقع قوي في نفوس السكان المحليين، وقد أخذت ألسنتهم على ذلك، ونوه إلى أنه من الصعوبة تغيير هذه التسميات، وقال إن الأسماء الجديدة تنجح في منطقة أو شارع حديث الإنشاء، مثل شارع (الطيب صالح) أو شارع (عبيد ختم). وأشار إلى أن التسميات القديمة عصية على التغيير. وأوضح أن (شارع النيل) في الخرطوم كانت هناك محاولات لتسميته بشارع (الشيخ زايد) لكن ظل اسمه كما هو، ونوه إلى أن شارع (الستين) طريق ذو قيمة تجارية عالية تم تغييره إلى شارع (بشير النفيدي) لكنه ظل حتى الآن يحمل اسم (الستين).
وترى الباحثة الإجتماعية إخلاص محمد الحسن مجدي في حديثها لـ "العرب اليوم" أنه ليس من الحكمة تغيير أسماء المدن والقرى، وقالت إن "هذه الخطوات في رأيي محاولة ساذجة لطمس وتغيير التاريخ". وأشارت إلى أن أسماء المدن والقرى لم تأتِ من فراغ وأنها نتجت عن مواقف وتفاعلات ومعاملات وأوصاف هي الأصل في منتج شعبي خالص، وكل مسمى قديم له سبب وقصة تداولها الناس ورسخت في أذهانهم، لذا فهم غالباً ما يتم تجاهل المسميات الجديدة.
أرسل تعليقك