دمشق ـ سانا
مجموعة شعرية من منشورات دار التكوين للشاعرة لينا شدود بعنوان "أمكث في الضد" تحمل رؤى وأفكار شاعرة تمكنت موهبتها من التربص للتداخلات والحراكات الاجتماعية المعاكسة للواقع فأوجدت ضدا لحراك الانسان أو تأملاته ما أسفر عن التقاط خيال الشاعرة لما يدور حولها من أشياء تؤرق الانسان أو تتلاءم معه وفق تكوين شخصيته وتركيبته البنيوية.
تقرأ الشاعرة كثيرا في الكائنات والموجودات المحيطة بها فترى أنها أكثر بقاء من الانسان وقد تكون أكثر جمالا مما جعلها تصوغ رؤاها مستعيرة بعض هذه الكائنات لتصنع منها دلالات فلسفية وعلمية تتوافق مع العقل وإن كان لأنسنتها شيء يعاكس الفطرة الإنسانية إلا أنها تمكنت من خلق انفعالات تتحرك من خلالها هذه الكائنات وتسقط حراكاتها على تداعيات الانسان واندفاعاته وانقلاباته تقول في مقدمة الديوان، ترى، هل كانت سعيدة، الحصا، التي عبس بها السيل كثيرا، في المياه الكتيمة، فطن النهر لهوس البحر به.
تحاول شدود أن تحول نصوصها لكلمات تتجاوز المجتمعات الانسانية وتتطابق مع كل المراحل التاريخية بما تحتوي من بشر يعيشون حياة مختلفة وقد تكون متطورة أو متخلفة فتأتي الشاعرة بتراكيبها ،ومفرداتها المكونة لهذه التراكيب من جماليات أخرى يستمتع فيها الانسان على مر الزمن كالضوء والسماء والتلال وغير ذلك من الأشياء التي ساهمت في بنية النص كما جاء في قصيدة ضوء ملول ضوء ملول، تنهد في شق المكان، أزرق الكون، تكومت التلال، وما إن بدأنا نلم الممكن فينا، تأوه دخان كثيف.
تصنع الشاعرة من ضمير الأنا بطلا في بعض نصوصها وتحرك حوله الحالة التي انتابتها لتجعل منها رؤية فكرية تشير من خلالها إلى ما هو مؤثر على خيال الانسان وعلى جموحه اتجاه واقع جميل وبرغم ذلك تتمكن الشاعرة من القفز على الزمان دون أن يربكها ضمير الأنا الموجود في المجتمع تقول في نص حصتنا من الغد الهواء الغبي، دخل من الثقوب طير الحلم، والبلل الذي كان يغسلني.
تذهب الشاعرة في أفكارها إلى التشبث بالانتماء إلى دفء الجذور كونها امتداد الانسان إلى الأزل وبداية وجوده على الأرض فان كانت الجذور متينة وقوية وأصيلة لا يضير الانسان مهما تعرض لنائبات الزمن فلا برد يؤثر عليه ولا أنواء لأن الجذور تمد الانسان بالدفء وتعيد رونقه مهما تعرض للنكبات كالأشجار التي تمدها جذورها بالحياة دائما تقول في قصيدة الجذور دافئة الأشجار عارية، لكن الجذور دافئة.
ومن خلال تعاقب الليل والنهار وانقلابات الطبيعة تأتي شدود بفكرتها لتحث على الوعي والاعتماد على الأشياء الجميلة عندما يكون أساسها صحيحا لأن الجمال الأعمى يجعل الواقع مفككا ومؤذيا ومن خلال ذلك تكون الشاعرة قد وصلت لهدفها المنشود دون أن تسقط في المباشرة المؤذية للقصيدة تقول في قصيدة هنا يكمل احتمال اخر، الصباح الأعمى، طرأ سريعا، فكك الفكرة، المحشوة بالغيظ، والنظرية الفاخرة، تركت الحطب وحيدا وما إن تسولت الرد، تحركت الرمال.
تعتمد شدود كثيرا على الصورة الشعرية التي تصنع لوحة جميلة تستحق الوقوف أمام رؤيتها والعمل على تفكيك بنيتها المليئة بالإيحاءات وتصل الصورة في بعض قصائدها إلى درجة عليا في المحسنات الشعرية والألفاظ التي تمكنت بشكل فني من انتقائها وترتيبها لتحرك خيال المتلقي بعد أن أشبعها خيال الشاعر من خلال ريشته وإبداعه تأنيقا وجمالا.
تمكنت الشاعرة في مجموعتها التي تقع في 107 صفحات من الارتقاء إلى مستوى الفن والإبداع الأدبي خلال تعاملها مع تراكيب النصوص وبنيتها حيث استخدمت في سياق نسيجها الشعري أشياء تتوافق مع حالة الأنسنة وتطابق حراك هذه الأشياء مع حراك الانسان كونها مخلوقات جميلة وكثيرا ما يصنع منها الشعراء زينة يشبه بها الانسان كما ابتعدت الشاعرة عن الموسيقا فلم تتأثر كثيرا بأن طريقة تناوله يدخلها في جنس أدبي اخر يمثل رؤاها الفكرية ومنطقها الفلسفي تقول في قصيدة أعلى وأدهى من صوت أرادني دهشة، لأموت بعد قليل، هل سأطيق أسره.
أرسل تعليقك