كتاب الأيام لروائي شعيب حليفي
آخر تحديث GMT07:13:02
 الجزائر اليوم -
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

"كتاب الأيام" لروائي شعيب حليفي

 الجزائر اليوم -

 الجزائر اليوم - "كتاب الأيام" لروائي شعيب حليفي

الرباط ـ وكالات

يتخذ 'كتاب الأيام' (منشورات القلم المغربي، 2012) للروائي شعيب حليفي صفة نص إشكالي .تنبثق إشكاليته من التباس هويته النصية، حيث يقع تمفصله الأجناسي بين تجاذبات المابين l entre deux ، بين ميثاق الرحلة و غواية التخييل السردي. وبالتالي لا تنبني هويته على نسق مغلق، بل على صيرورة مفتوحة على الانزياحات والتوترات الحدودية، ولذلك لا يطرح ميثاقا جاهزا للقراءة. إنه نص يتشكل على الحدود الشائكة بين الرحلة والرواية. ويعكس ازدواج الهوية دينامية التجاذبات الاستطيقية والثقافية التي تعصف بأي محاولة لتجميد النص في نسق مغلق متجانس.إن ما يشكل ديناميته الداخلية هو ما أسميه بالخيال المترحل وليس النسق المغلق. فإلى جانب الرحلة كمنطلق للحكي على محور التكون، يمارس النص نفسه على محور الكتابة ، ترحيلا للرحلة من نسق المرجع إلى نسق الأدبية عبر دينامية التخييل. فالنص نفسه عبر لعبة الكتابة يشتغل كترحيل للعلامات من الواقعي إلى الرؤيوي، ومن المرجعي إلى الرمزي، وكرحيل للذات بين الأزمنة والتواريخ. وإن ما يميز طبيعة الخيال المترحل في النص هو اجتياز الحدود، بحثا عن سعادة متخيلة. لذلك نعتقد أن قراءة هذا النص وفق سنن أحادي هو سنن الرحلة، سيطمس ديناميته التخييلية. وبدل ذلك، نقترح قراءة تفاعلية تبحث في التفاعلات والانزياحات، وفي الشفرة عبر اللسانية وهي تخترق الحدود بين الأنساق. قراءة تقوم على تفكيك التجاذبات المتبادلة بين الرحلي والتخييلي، وما يترتب عنها من انزياحات وتفكيكات . تأسيسا على هذه الرؤية المنهجية، لن يختزل رهان هذه القراءة في جرد مكونات الشكل الرحلي في النص لتأكيد مرجعيته، ولكن سيركز البحث على كيفية تمثيل النص للمكونات الرحلية وفق الإستراتيجية السردية والرؤيوية التي يقترحها النص. ذلك أن طريقة اشتغال هذه المكونات داخل النص، هي التي تنزاح بها من مستوى التاريخ إلى مستوى التخييل. فالرحلة كمسار يبدأ من نقطة بداية وينتهي في محطة نهاية ،مرورا بوقائع وسيطة، لا يشكل محكيا في حد ذاته يكون جديرا بأن يروى لإثارة المروي له. فما يجعل من متوالية أحداث محكيا، هو خلق سياق تخييلي يتيح الإيقاع بالمروي له في سحر الحكي. هذا الإغواء التخييلي هو ما يشكل جوهر الحكي منذ القديم. لكل ذلك، سنهتم بطرائق ترحيل هذه المكونات من سياق التاريخ والمرجعي إلى سياق التخييل، عبر الخوض في العمليات السردية البنائية والرمزية . الازدواج/ تفكيك الهوية هذا التمثيل المتورط في غواية التخييل هو ما يكشف عنه النص في مساره التفكيري الميتا سردي، في الاستهلال التدشيني الموجه لمسار القراءة، حيث يكشف الكاتب عن مرجعيات النص ( كتاب الأيام.. هو خلاصة إبداعية جمعت بين السفر والكتابة، لتنتج نصا ثقافيا واحد من فصول ومرايا... تعكس في ضوء شموس التخييل حالات المسافر والكاتب...وفي كل ذلك، أجنح إلى حكي حكايات وفضاءات بأبعاد رمزية موازية،... أروض بها الفراغ والممكن والصمت واللاممكن...في سياق البحث عن مخازن بعيدة أخبئ بداخلها شوقي للكتابة والتخييل والتأويل.) (7/8) تتمفصل مرجعيات النص بين التجربة (السفر) والكتابة (تمثيل التجربة)، و ينهض التخييل كنسق للتوسط بين تجاذبات هذين النسقين المختلفين . وتتحدد العلاقة بينهما في كون التخييل ينهض بدور تكويني في تمثيل التجربة (السفر)، بما تستدعيه الكتابة كنسق للتمثيل ، من حكايات وفضاءات بأبعاد رمزية ، وبما تخطه من حفريات عمودية في مخازن الذاكرة و الممكن واللاممكن والصمت . لذلك عندما يعود الكاتب / السارد من رحلته الأولى إلى طرابلس ، ويكتب نصا عن هذه الرحلة، وينشره ، يتصل به أحد أصدقائه ويعاتبه لأنه خرق ميثاق الصدق ، لكن الكاتب / السارد يجيبه برسالة تؤكد أنه كتب نصا ينتمي إلى نسق التخييل،أصبحت شخوصه التي التقاها في رحلته جزءا من التخييل. ' وأنا أكتب عن علي العالمي، الذي كان معي في رحلة وأصبح جزء من التخييل، كنت كما لو أحكي عن نفسي.' (31) هذا البعد التخييلي كسمة مكونة للتمثيل تؤكده شخصية 'سيد العزيز' المتخيلة في رسائلها إلى حبيبته 'سمدونة' ، وهي شخصية متخيلة يختلط فيها الواقعي بالأسطوري ، حيث يحذرها من تصديق ما يكتبه ' المغربي شعيب حليفي' (سمدونة عزيزتي: المغربي شعيب حليفي، لا تثقي فيه ولا تصدقيه، في كل ما يقول ويكتب. سيجري قتله، إنه يكتب من أرشيف الألف سنة القادمة ويريد إقناعنا بأنه يتحدث عن الحاضر وعن الألف سنة المنصرمة). والمشكلة التي تحدث هنا أن الكاتب يورط نفسه باعتباره محفلا ينتمي إلى ما قبل النص ،في ورطة ابستيمولوجية أنطلولوجية. ماذا يحدث للذات الكاتبة حين تقحم في حكاية متخيلة؟ تصبح بفعل التخييل شخصية تخييلية، أو على الأقل جزءا من التخييل، وذلك بحكم الميثاق الذي تعهد به الكاتب. يطرح هذا الإشكال الأنطولوجي إشكالا ابستومولوجيا يتعلق بمن يحكي؟ هل المسافر أم الكاتب؟ ذات التجربة أم ذات الكتابة؟ يحيل هذا الازدواج على تمزق في الذاتية المركزية للمتكلم. (هل أنا رحالة أم كاتب ؟ مؤرخ أم سفير لممالكي؟ أبحث عن ساحات أخرى للخيال) (103) . تفكيك الهوية كأثر للازدواج، ينشأ عنه تصدع في موقع الكلام، ذلك أن الذات تظل في صيرورة ازدواج، وهذا ما يجعل موقع الكلام يتفكك في تجاذبات المابين . يتضاعف هذا التفكيك لسلطة الكلام لدى السارد، باقتحام الأصوات الغيرية للمشهد، التي تنبثق من الحكايات الموازية . وإذا كان كلام الآخر لا يلغي صوت الكاتب، فإنه يخضعه لعملية تهجين ، بحيث يوجد مهشما ومؤسلبا في مشهد تتنافس فيه أصوات مختلفة في مرجعياتها وسياقاتها (واقعية، خرافية، أسطورية، تاريخية). التمفصل المزدوج في البداية نسجل هذه المعطيات النصية الأولية التي تقدم صورة أولية عن حضور الموضوع الرحلي في النص، والتي تشكل معالم أولية موجهة للقراءة: ـ يبدأ الكاتب/ السارد بتدوين مكونات الرحلة، من حيث تحديد مسار الرحلة ومواقيتها وموضوعها والوفد المصاحب له. ويتحرى الدقة في ضبط التفاصيل الصغرى (رقم الرحلة، رقم المقعد، التواريخ...). لكن ما إن يصل الكاتب/ السارد إلى مكان إقامته، نلاحظ أن التبئير ينتقل على موضوع الرحلة، وهو المؤتمرات العلمية، إلى سحر الحكاية، بحيث أن الكاتب ينفصل عن الوفد المرافق له، ويخرج ليكتشف العالم من حوله. ويمثل هذا الانفصال إجراءا تدشينيا لحكاية الاكتشاف الموسومة بالغرابة. في منعطف الانفصال يتراجع الموضوع الرحلي، ويبدأ التخييل، حيث تدخل على خط السرد شخصيات متخيلة، أو يقع اجتياز الحدود في مقام الرؤيا ، فينفتح السرد على تداخل الأزمنة والتواريخ والجغرافيات المتخيلة، وينتقل السرد من الواقعي إلى الرؤيوي والرمزي، عبر تماهي الذات مع شخصيات أسطورية وتاريخية وخرافية . فكل انتقال في المكان في النص يستتبع تدشينا لحكاية متخيلة توقع بالذات في فخاخ الوهم . ـ ما إن ينتهي الكاتب/ السارد من دوره الرحلي الذي سافر من أجله، ويعود إلى غرفة إقامته، ينسل من بين أصدقائه ويخرج في جولات حرة. ويشكل فعل 'الخروج' تدشينا لحكايات جديدة تتورط فيها الذات في سياق غرائبي يختلط فيه الوهم بالحقيقة (حكاية ولد العزيز، حكاية المسافر مع ابنته الصغرى..). وهذا ما يترتب عنه تغريب الموضوع الرحلي وتجريده من ألفته ، حيث تنطلق مغامرة اكتشاف العوالم الجديدة، في سياق حكايات موسومة بالغرابة والدهشة. ـ مما تقدم يتضح أن الموضوع الرحلي في النص لا يشخص في انفصال عن التخييل السردي، حيث نلاحظ أن الذات تبدأ في سرد مسار رحلتها ثم في لحظة ما تتورط في حكاية بدخول شخصية جديدة، أو بتماهيها مع المكان في لحظة لا زمنية مجردة تتعالى على الحدود، مثلما يحدث للكاتب السارد مع شخصية سيد ولد العزيز، حيث تبدأ حكايته معه في سياق واقعي، ثم تنتهي به إلى الوقوع متاهة كافكاوية، حين يكتشف أن ولد العزيز لا وجود له (ولكن الشيء الذي يهمني أن رحلتي الثالثة انتهت بغموض جعلني أرتاب من حكاية كنت شاهدا عليها ومرافقي. فقد اختفى سيد العزيز واختفت قبله سمدونة، والأغرب أن صديقنا المشترك بالمقهى، المدعو عبد السلام، أنكر كل شيء' (33) فإذا كان الكاتب/ السارد يرتاب فيما يحكيه، فكيف للمروي له أن يصدقه. وإذا كانت شهادته على ما حدث، مشروخة بالوهم ، فكيف يمكن للقارئ أن يعتد بها. وبالتالي فإنها تدخل في باب التوهم والاختلاق. تشخص مكونات الرحلة في النص، إذن، عبر تمفصل مزدوج، يتداخل فيه الواقعي بالتخييلي، والحقيقي والوهمي،والمرجعي بالرمزي، والحدثي بالرؤيوي، والحكائي بالتأملي. وهذا ما يؤكد الطابع القصدي لكتابة الرحلة عبر وساطة التخييل. فالرحلة تنتهي بعودة المسافر، والتخييل يبدأ مع الكتابة. وفي الانتقال من محفل التجربة إلى محفل الكتابة، يعمق التمثيل المسافة بين نسق المرجعي ونسق التخييل. فبعودة المسافر من السفر تنتهي الرحلة، وبسرد هذه الأسفار بالإستراتيجية التي كشفنا أساليبها، يبتدئ التخييل السردي، ويتم ترحيل الأسفار من نسق المرجع إلى نسق التخييل، وتنتقل الذات من محفل التجربة إلى محفل الكتابة، ومن الزمانية إلى السردية. والأهم على مستوى منطق الحكي، أن البناء السردي الذي يتخذ شكل تمفصل مزدوج، لا يشخص فيه الشكل الرحلي بجوار الشكل التخييلي، بمعنى أنه يتجاوز علاقة التجاور مؤسسا بين المرجعي والتخييلي علاقة تفاعل دينامية، تجعل الحدود بينهما منتهكة ومخترقة. فكما سنوضح تتخذ الحكاية شكل سرد رحلي يتشعب عبر لعبة التخييل، لينفتح على مسارات معقدة للخيال، في الأسطورة والتاريخ والحكاية الخرافية واستعارات الكتابة، بل حتى الحكاية الواقعية كما لاحظنا تتلبس بالغرابة اللامتوقعة مثل حكاية 'سيد ولد العزيز '. لذلك نؤكد أن ما يحدد وضع العناصر المرجعية المرتبطة بالرحلة في النص، هو عمليات النسق التخييلي في النص ، وليس العكس. وأهمها تقنية الحكاية داخل الحكاية، نصنصة التاريخ، التشفير الرؤيوي الرمزي، تقنية اجتياز الحدود. هذه العمليات هي ما يمنح المحكي الرحلي طابعا تخييليا، ينزاح به عن المستوى المرجعي المباشر. تقويض منطق الحكاية: يتعمد السارد تقويض منطق الحكي الرحلي بممارسة لعبة الحكاية داخل الحكاية. ويأخذ توظيف هذه التقنية في النص شكلين: شكل توليدي تتشعب فيه الحكاية عضويا - عن الحكي الرحلي، مثل حكاية سيد العزيز في محكي الرحلة إلى ليبيا، أو حكاية المسافر وابنته في محكي الرحلة إلى سورية، وشكل تناصي يستحضر فيه الكاتب/ السارد حكايات من التراث أو التاريخ أو الثقافة الشعبية. تخترق هذه الحكايات نص الرحلة متخذة مسارا غرائبيا، يفتح الحكي على أفق الغرائبي والخارق والمدهش، و يقذف به على المستوى الابستيمولوجي في أفق الشك والارتياب بصدد صحة ما يحكيه . الشيء الذي يسوغ للقارئ الارتياب والشك في صحة الحكاية. إضافة إلى تقويض منطق الحكي على المستوى الابستيمولوجي، تسهم تقنية الحكاية داخل الحكاية في النص على المستوى الاستطيقي بمجموعة من الوظائف، منها تعدد الساردين وتداخل الأزمنة، وانتهاك الحدود بين الواقعي والتخييلي . وللتمثيل على ذلك، نستحضر حكاية 'سيد العزيز' التي تتشعب عن محكي الرحلة إلى ليبيا. وهي حكاية متخيلة ، يمتزج فيها الواقع بالخيال (اكتشفت في سيد العزيز، تلك الشخصية التي تعجن الخيال بماء الواقع) (22). في لحظة حاسمة من الحكي تتحول إلى حكاية كافكاوية، يختفي بطلها سيد العزيز، ويشعر الكاتب / السارد بأنه ضحية خدعة. يذهب إلى المقهى التي اعتاد أن يجالس فيها سيد العزيز، ليسأل صاحب المقهى عنه، فيصدم بحالة إنكار لوجود شخصية سيد العزيز (وبعد نقاش فهمت أنه أنكر أن يكون رأى معنا في اليومين السابقين شخصا ما، وادعى أننا كنا نأتي لوحدينا أنا وصديقي لا غير...أنتما تختلقان شخصية وتريدان أن أعترف بها..أنا لا أعرف هاذ مولاي العزيز، وإذا أردتما أن أكذب وأقول إنني أعرفه ورأيته، فإن المخزن ديال الجماهيرية العظمى لن يعترف لكما.) (24) توضح هذه الحكاية الكافكاوية المسافة الاستطيقية التي يخلقها التمثيل بين الواقعي والتخييل. فالأمر يتعلق بسارد غير موثوق في مصادره، يختلق الحكايات ويتوهمها في خيالاته الاستيهامية. (وسألته عن أغنية عبد الوهاب، فأنكر أيضا أن يكون سمع بها طوال حياته في هذه المقهى أو في غيرها. فأدركت أن الوهم قد اخترقنا عموديا، فانشطرنا.) (24) أما شخصية 'سمدونة' فنكتشف أنها شخصية رمزية ' ولية من الوليات الصحراويات الإفريقيات، اختارها الله لتكون له في الزمان والمكان.' عاشت في ليبيا قبل قرون. في رحلته الثالثة يلتقي الكاتب السارد بشخصية سمدونة التي ستقدم له حكاية أخرى مناقضة، عن شخصية سيد العزيز الذي سافر إلى إحدى الدول الإفريقية ' يسكن الجبال محاربا ضمن مجموعة ثورية.' ثم تسلمه 'ظرفا به ست رسائل لسيد العزيز كان قد أرسلها إليها، أربع مكتوبة بخط يده، واثنان بآلة كتابة تقليدية، أدخل عليها تصويبات بقلم حبر أزرق.' هذه الرسائل وبسبب رموزها الغامضة ، زادت شخصية ولد العزيز غموضا، بحيث يجد الكاتب السارد نفسه في وضع الحيرة المضاعفة (لست مهيئا لفهم رموز هذه الرسالة..فإذا بي أجدني عاجزا أمام خطابات صديق عابر.' أما شخصية 'سمدونة' فهي أيضا سارد غير موثوق بشهادته ، حيث نكتشف أنها شخصية رمزية ، وبالتالي قد تكون من اختلاق أوهام سيد العزيز ' ولية من الوليات الصحراوية الإفريقيات، اختارها الله لتكون له في الزمان والمكان ' عاشت في ليبيا منذ قرون. وهذا ما يرجح فرضية أن حكاية الحب الملتهبة بين سيد ولد العزيز وسمدونة ليست سوى حكاية مختلقة لضرورات التخييل. نحن هنا بصدد ثلاث حكايات لا يعتد بثقة رواتها، لشخصية سيد العزيز: حكاية الكاتب / السارد التي يشطرها الوهم، حكاية عبد السلام صاحب المقهى التي تنسف حكاية السارد، بإنكار وجود شخصية سيد العزيز، حكاية سمدونة التي يتداخل فيها الواقع بالخيال، التي تقدم تفسيرا لاختفاء سيد العزيز، لكن هذا التفسير سرعان ما يتهاوى عندما تفاجئ السارد بخبر مقتل سيد العزيز في أدغال إفريقيا (لكنها تفاجئني مرة أخرى وتقول بأن قلبها الأبيض خبرها بأن سيدا قد قتل في تلك الأدغال البعيدة' (35)، ثم حكاية سيد العزيز كما تقدمها رسائله المشفرة، والتي تزيد في غموض والتباس حكايته. فأي الحكايات يصدق المروي له، خاصة أن كل حكاية تنسف الحكاية الأخرى بحالة إنكار. أم أن الأمر يتعلق في النهاية بعميلة خداع للمروي له، أي بلعبة تخييل. في سياق هذه الخدعة الحكائية، يتقوض منطق الحكي ابستيمولوجيا، بما تشيعه هذه الحكايات من ارتياب وشك وإنكار. هكذا، يأتي صوت عبد السلام صاحب المقهى في حكاية سيد العزيز مخيبا لأفق الكاتب/ السارد، فيكون تدشينا لصوت الشك والارتياب في منطق الحكي. وبعده يتدخل صوت الولية 'سمدونة' ليعمق حالة المتاهة الكافكاوية في حكاية ولد العزيز . ثم أخيرا ينبثق صوت ولد العزيز من رسائله المشفرة، ليضاعف حالة الالتباس والغموض في منطق الحكاية كلها. هذا الاشتغال الانتهاكي لتقنية الحكاية داخل الحكاية في حالة الشكل التوليدي، هو ما يسم هذه التقنية في حالة الشكل التناصي، حين يعمل النص على استحضار حكايات من التراث أو الثقافة الشعبية، من ذلك: ـ حكاية ولية الله 'العابدة ربة المطر العميم'، تنتمي للسرد المناقبي . مع تقدم الزمن تحولت إلى ما يشبه الأسطورة. ـ حكاية الرجل الفقير الذي خرج ' باحثا عن الله ليسأله تغيير حاله من الفقر إلى الغنى'. وهي حكاية شعبية تنتمي للثقافة الشعبية المغاربية.وهي حكاية خيالية مفعمة بالسرد المناقبي. ـ حكاية لتسلية المسافر. وهي مشروع رواية قصيرة قرر الكاتب السارد كتابتها، ' نص خيالي بنسبة صفر في الألف من رائحة الواقع.' في نص حكاية المسافر يتحول الكاتب إلى سارد متخيل. تنشطر هذه الحكايات عن محور الحكي الرحلي وتتشعب مدشنة مسارات انتهاكية، منفتحة على التاريخي والخرافي والأسطوري، خالقة صيرورة تجاذبات بين الواقعي والتخييلي. وهذا ما يطرح على مستوى الوظيفة الاستطيقية تجريد البنيات المرجعية من طابعها المرجعي . وبالتالي تتيح انفتحا على المتخيل. وإذا كان تعدد الأصوات في صيرورة توالد الحكي بفعل تقنية الحكاية داخل الحكاية، لا يلغي وجود صوت الكاتب ضمن أصوات الساردين، فإنه يتمفصل ضمن هذه السلسلة مهشما وهجينا في مسافة الباروديا التي يخلقها تعدد الأصوات بتعدد المرجعيات الواقعية والتخييلية والخرافية، فينتج عن ذلك تداخل الأزمنة واجتياز الحدود بين الواقعي والتخييلي.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب الأيام لروائي شعيب حليفي كتاب الأيام لروائي شعيب حليفي



GMT 11:20 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

موديلات متنوعة من أحذية الشاطئ هذا الصيف
 الجزائر اليوم - موديلات متنوعة من أحذية الشاطئ هذا الصيف

GMT 10:56 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يسود الوفاق أجواء الأسبوع الاول من الشهر

GMT 01:10 2016 الجمعة ,30 كانون الأول / ديسمبر

ريهام إبراهيم سعيدة بمسيرتها المهنية في الإعلام

GMT 13:09 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يُعرب عن أمله في تحقيق بطولة رفقة "ليفربول"

GMT 09:18 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أمير منطقة جازان يتبرع بمليون ريال لجائزة جازان للتفوق

GMT 22:51 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت يؤكد علي أهمية الاقتصاد وتنويع الدخل

GMT 16:38 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

بروسيا دورتموند يستعيد جهود ريوس قبل مواجهة شتوتجارت

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

استوحي إطلالتك السواريه بالدانتيل من وحي مدونات الخليج

GMT 09:59 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

طرق الحصول على مكياج عيون برونزي مع الأيلاينر

GMT 09:18 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

بن عبدالعزيز يعزي أسرة القواسمة بمحافظة أبو عريش

GMT 19:18 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني إيسكو يرُد على اتهامه بزيادة الوزن
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria