يشهد تأجير المحال والمجمعات التجارية فورة كبيرة من النشاط تؤهلها لتزعم الحركة التجارية العقارية دون أدنى منافسة، حيث تشهد ارتفاعات غير مسبوقة وغير مبررة في الأسعار، الأمر الذي انعكس سلبا على إيجار المحال التجارية بشكل عام، على عكس الحالة العقارية التي تشهدها السعودية التي تتسم بالهدوء في معظم قطاعاتها .
ووصلت إيجارات المحال التجارية إلى مستويات كبيرة ومهولة خلال السنوات الماضية، خصوصا السنوات الخمس الأخيرة، التي بلغت فيها الارتفاعات أكثر من 50 في المائة، الأمر الذي اضطر على أثره بعض المستأجرين إلى رفع قيمة معروضاتهم لتعويض الفرق، أو إغلاق محالهم، وذلك لعدم قدرتهم على الاستمرار في دفع الإيجار، على الرغم من تحقيقهم مكاسب سابقة قبل أن ترفع الأسعار.
ودفع عدم وجود قانون يقيد أسعار الإيجارات الأمر إلى بلوغ مستويات مرتفعة من الإيجار، على الرغم من حالة الركود والانخفاض التي تعيشها سائر القطاعات الأخرى التي انخفض مؤشر الأسعار فيها إلى مستويات كبيرة، لم تدفع بهذا القطاع الذي يعيش تضخما كبيرا في قيمته نحو الانخفاض أو الركود في أقل الحالات، مما رشح تأجير المحال التجارية على رأس القطاعات الأكثر ارتفاعا، خصوصا في الفترة الأخيرة التي أصبحت تحلق خارج السرب، ودفعها إلى مستويات قياسية من دون مبرر حقيقي.
وقال عاصم الشمري، مدير أحد المحال التجارية في العاصمة الرياض «إن من أكثر المشكلات التي يعانون منها في تجارتهم عدم قدرتهم على توقعات تحقيق الأرباح نتيجة ارتفاع الإيجار من دون أي سبب واضح»، مضيفا أنه منذ ست سنوات والإيجار يرتفع بشكل سنوي لأكثر من 15 في المائة.
وزاد أنه على الرغم من وجودهم في الموقع نفسه منذ فترة طويلة تزيد على 18 سنة، فإن الإيجار لم يرتفع منذ أن استأجروا الموقع إلا خلال السنوات الماضية، وأن العذر الوحيد لمالك العقار هو الارتفاع الكامل في أسعار السوق العقارية، وأن بإمكانه الخروج في حال رفض الزيادة الحاصلة، مبينا أنهم مضطرون إلى رفع أسعار البضائع لتسديد الإيجار، وأن المتضرر الرئيسي من ذلك هو المستهلك الذي يدفعها بشكل غير مباشر.
وأضاف الشمري أن عدم وجود قانون يمنع زيادة الإيجار هو أحد أهم أسباب التضخم التي يعيشها القطاع العقاري منذ سنوات، فترى التدافع في رفع الأسعار بين التجار سمة رئيسية تعاني منها السوق، الأمر الذي يدفع بالتضخم التجاري بعد أن يجبر التاجر على رفع الأسعار لدفع ضريبة ارتفاع قيمة العقار الذي لا يجد له حدا أو نسبة عشرية لا يمكن تجاوزها، بعكس كثير من الدول التي تقيد المؤجر بنسب عشرية بسيطة لا يمكنه تجاوزها بأي حال، وهو ما تفتقد إليه السوق السعودية.
وفي الاتجاه نفسه، بيّن عبد الله البواردي، الذي كان يمتلك أسواقا تموينية، أنه اضطر إلى إغلاقها بعد أن أصبح صاحب المنشأة يحاسبه على أرباحه عن طريق رفع الإيجار إلى مستويات مهولة وغير مقبولة، مبينا أن الإيجار ارتفع لأكثر من 50 في المائة مقسمة على ثلاث سنوات، وهي نسبة كبيرة لم يستطع تحملها، وبالتالي أغلق محله على الرغم من أنه وقبل إغلاق المحل كان يحصد المزيد من الأرباح.
ويضيف البواردي أن الإيجار السنوي الذي كان يدفعه عند استئجاره المحل لم يتجاوز 60 ألف ريال في محل له أربع فتحات، بمقدار 20 ألف ريال للفتحة الواحدة، إلا أن مالك المنشأة زاد عليه الإيجار إلى الضعف ليصل إلى 160 ألف ريال، وهو المبلغ الذي لم يستطع تسديده، مبينا أن المحل مغلق منذ أكثر من سنة ولم يستأجره أحد حتى هذه اللحظة.
يشار إلى أن التضخم في السوق العقارية السعودية بلغ أوجه بعد أن أصبح العقار بمثابة السوق الآمنة والمثالية للمستثمرين، وهو الأمر الذي جعل القطاع العقاري من أكثر القطاعات تضخما وارتفاعا، ووصلت الأسعار إلى مستويات مهولة تجاوزت نطاق العرض والطلب.
وفي الاتجاه المعاكس، برر سعود الضرمان، الذي يمتلك عددا من المنشآت العقارية، سبب رفع إيجارات المحال إلى ضغوط السوق بشكل عام، وأن من يضع الأسعار هو الطلب الكبير على المحال التجارية، خصوصا الواقعة في المناطق التجارية والاقتصادية، موضحا أن المحال الواقعة على شوارع بعرض 30 مترا فما فوقه ترتفع فيها الأسعار أكثر من غيرها، ويرتفع السعر كلما ارتفع عرض الشارع، الأمر الذي يبرز عمق الحركة النشطة لتلك المحال.
وزاد الضرمان أن الحركة الاقتصادية في الرياض بشكل عام تختلف عنها قبل سبع سنوات، بمعنى أن هناك قوة شرائية كبيرة وحركة نشطة من تلك المحال، تفرض عليهم مجاراتها ورفع أسعار المحال، كاشفا أن بعض التجار يعرضون على بعض الملاك عزمهم استئجار المحل المؤجر بسعر أعلى، مما يجعل المالك يخير المستأجر بين رفع قيمة الإيجار أو الخروج الفوري لتسليمه لتاجر آخر.
يذكر أنه لا يوجد في السعودية نظام يقيد عملية وضع أسعار العقار، مما يعني أن عملية وضع السعر أصبحت تخضع لرؤية صاحب المنشأة، وأن بعض الملاك يستغلون الفراغ القانوني برفع الأسعار وإلهاب السوق العقارية، وهي خطوة عدها المراقبون رئيسية في دفع التضخم الحاصل في القطاع العقاري السعودي.
وفي صلب الموضوع، أوضح عبد اللطيف العبد اللطيف، وهو وسيط عقاري، أن تأجير المحال التجارية في السعودية يعد من أكثر القطاعات التي تشهد زيادة في الأسعار، إذا ما قورن بالقطاعات العقارية الأخرى، وأن الوضع فيها يخضع وبشكل مباشر لميزان العرض والطلب، خصوصا المحال الواقعة في أماكن الازدحام والنشاط العقاري، فتجد أن بعض ملاك العقارات يقومون برفع الإيجار على المستأجرين بشكل سنوي، دون أن يرفضه المستأجرون الذين يحصدون أرباحا عالية ولا تضرهم الزيادة التي يفرضها مالك المنشأة.
وأضاف العبد اللطيف أن قبول الأغلبية الزيادة هو السبب الرئيسي في دفع ملاك العقار إلى الزيادة الدورية، موضحا أن أصحاب المحال يفسد بعضهم على بعض بعرضهم استئجار بعض المحال المؤجرة بسعر أعلى، أو قبولهم الزيادة دون مناقشة صاحب المنشأة، وهو الأمر الذي حول عملية رفع الأسعار إلى عملية مزاجية من قبل مالك المنشأة العقارية.
ويتبين أن الحركة الاقتصادية الكبيرة للسعودية التي تعتبر أكبر اقتصاد عربي أثرت وبشكل مباشر على قيمة تأجير المحال التجارية فيها، خصوصا في ظل الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، الأمر الذي دفع بملاك العقارات إلى الاستفادة القصوى من محالهم التي تعتبر واجهة عرض تلك التجارات، برفع الأسعار لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه المملكة العربية السعودية .
أرسل تعليقك