الرياض ـ وكالات
أكد مختصون في القضاء والتحكيم، أن الحاجة باتت ملحة لإنشاء محاكم عقارية متخصصة تتواكب مع وتيرة نمو القطاع العقاري في السعودية الذي يشهد تسارعا كبيراً في السنوات الماضية الأخيرة مدفوعا بإنشاء المدن الصناعية والتعليمية والمالية في عموم المناطق في السعودية. وأوضح المختصون أن السعودية التي تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم بحجم استثمارات عقارية تتجاوز قيمتها تريليوني ريال، تعاني كثرة في القضايا والمنازعات المتعلقة في القطاع. وأشار المختصون إلى أن معظم تلك القضايا تتمثل في تداخل الصكوك ودعاوى الإيجارات والمطالبة بالأجرة أو الإخلاء ودعاوى الإتلاف والمطالبة ببيع العقارات المرهونة عند توافر الموجب لذلك، وكذلك القضايا المرتبطة بعين العقار في عقود التمويل بشكل عام وغيرها من القضايا التي تستجد بأنواعها بالتزامن مع النمو والتطور التجاري للعقار.
وأوصى المختصون في ورشة عمل خاصة بإصدار لوزارة العدل، بالتعجيل في إنشاء المحاكم العقارية، وإيجاد كوادر قضائية مؤهلة لدراسة وإنشاء تلك المحاكم، تنظيم الشأن العقاري من خلال تحديث الأنظمة العقارية وتلافي ما فيها من قصور، وضرورة الإسراع في نظام الوثائق. وقال الشيخ فوزان بن عبد الله الفوزان قاضي الاستئناف ومساعد رئيس المحكمة العامة في عنيزة، في ورشة العمل التي وصفها إصدار وزارة العدل بالورشة التحريرية: ''طبيعة العمل العقاري وكونه يتداول بين المؤسسات الخاصة والعامة والشركات والأفراد، إضافة إلى تأثره بطبيعة الأرض وجغرافيتها وتركيبتها الجيولوجية، فإنه لا بد من أن تنشأ الخلافات بين المتعاملين في هذه السوق، مما يتطلب اللجوء للقضاء لفض المنازعات وتسوية الخلافات ورد الحقوق وإيقاف المعتدي''. وأكد الفوزان أن سرعة البت في القضايا العقارية مطلب شرعي وضروري، وذلك لأن الإشكالات العقارية يمتد تأثيرها وينعكس سلبا على تنظيم المدن والقرى وعلى الفرد والمجتمع، مبيناً أن تعطيل مصالح الناس العقارية يفقد المدن الاستفادة من المواقع الحيوية ويعطل التنمية الاقتصادية ويوجد جواً طاردا لأصول التنمية والاقتصاد. ودعا الفوزان إلى أهمية إنشاء محاكم عقارية متخصصة تهتم بنظر الإشكالات والدعاوى العقارية الناشئة عن المبايعات والصفقات والمساهمات العقارية، وأن عليها أن تنظر أيضاً في أثبات التملك وإخراج الصكوك اللازمة لذلك والنظر في حجج الاستحكام وغير ذلك مما له صله بالعقار والمنازعات العقارية. ويرى الفوزان ضرورة تعميم المحاكم العقارية المتخصصة في جميع المدن الكبيرة ذات الحركة العقارية البارزة كمكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة والدمام، مع وضع دوائر عقارية في المدن والمحافظات حسب الحاجة. وأفاد الفوزان بأن تلك المحاكم والدوائر لا بد أن يتم فيها وضع نظام محكم وواضح وصريح، وتوفير المباني اللائقة حسب المعايير العالمية، وتخصيص عدد كاف من القضاة فيها ممن لديهم الخبرة الكافية، وذلك بجوار وضع خطط وبرامج لتدريب القضاة على ما يستجد من أنظمة ومن برامج للأجهزة المساندة. وأما الشيخ عبد الرحمن بن منصور السدرة القاضي في المحكمة العامة في أبها فيقول: ''إن المطلع على واقع الملكية العقارية في السعودية وطريقة التنظيم والتوثيق، يجد في البنية التنظيمية المعنية بالعقار فراغاً ونقصا في بعض الجوانب المعنية بالتوثيق''، مشيراً إلى أن ذلك الفراغ نتج عنه حدوث النزاعات العقارية بأنواعها كافة. وتابع السدرة ''حاول المنظم السعودي أن يستدرك ذلك بنظام التسجيل العيني للعقار، لأن التنظيم والتوثيق يعدان أهم خطوة لرفع مستوى النشاط العقاري، واتضح على أرض الواقع المعوقات التي من شأنها أن تشعر المهتم بعدم فاعلية هذا النظام''. ويرى السدرة، أن عدم الاستفادة المبكرة من أنظمة تملك الأراضي وتسجيلها، أدى إلى كم هائل من النزاعات والخصومات وخلل ونقص فيما تتضمنه الملكية، مبيناً أن سبب التأخر في أنظمة التوثيق، يعود إلى عدم التنظيم والدقة في إجراءات تملك الأراضي. وأشار السدرة إلى أن الوقت بات مناسباً لاستحداث محاكم عقارية خاصة مع روح التجديد والتغيير التي يشهدها الواقع القضائي بشكل عام، وجود كوادر قضائية مؤهلة لدراسة وإنشاء المحاكم العقارية وقدرتهم على وضع خطط شاملة لإنجاح مثل تلك المشاريع، وتوافر الإمكانات المادية اللازمة لإنشاء المحاكم العقارية. ويرى السدرة أن من الموجبات التي تدعو إلى إنشاء المحاكم العقارية، كثرة التعامل بالعقار في صوره كافة، كثرة النزاعات العقارية الناشئة عن هذه التعاملات، حاجة الناس لإنهاء معاملاتهم وتملك حقوقهم، وتركيز جهد القاضي وموظفيه في هذا الاختصاص، كما أن قضايا العقار لا تقل أهمية عن القضايا العمالية والمرورية وغيرهما مما استحدث لها محاكم خاصة. من جهته، أشار الدكتور وليد التويجري أستاذ التحكيم والأنظمة التجارية في المعهد العالي للقضاء، إلى أن أهمية إحداث دوائر قضائية متخصصة بقضايا العقار، ترجع إلى عدة أسباب ومنها: تركيز عمل القاضي وعدم تشتيته، إكساب القاضي الخبرة التي تمكنه من الإلمام بالأحكام الشرعية والنظامية والعرفية والسوابق القضائية الخاصة بالقضايا العقارية، مواكبة ما يشهده القطاع العقاري من تطور عقوده وتجددها وكثرتها وما يترتب على ذلك من منازعات متشعبة ومعقدة، رفع كفاءة أعوان القاضي وإكسابهم مهارات المساندة القضائية المتخصصة، والمساهمة في سرعة إنهاء القضايا مع الاحتفاظ بالجودة العالية. واستدرك التويجري: ''من باب استشراف المستقبل بناء على الوقائع الماضية والمعطيات الحاضرة، فأقترح أن يقتصر الأمر في بدايته على تخصيص دوائر عقارية داخل المحاكم العامة، وعدم الاستعجال في إنشاء المحاكم العقارية، وذلك لعدة مبررات، ومن أهمها عدم البدء الفعلي في إنشاء المحاكم المتخصصة التي نص عليها نظام القضاء الجديد الذي صدر منذ نحو أربعة أعوام ونصف مضت''. وأما فهد القاسم المحامي والمستشار المشارك في ورشة العمل التحريرية، فيرى أن عدم سرعة البت في القضايا العقارية، ينعكس سلبا على الاقتصاد العام ويعطل التنمية، ويوجد جواً طارداً لأصول التنمية، داعياً بأهمية إنشاء دوائر عقارية في محاكم المدن حسب الحاجة، والتعجيل في سن ما تبقى من التنظيمات ذات الصلة بالشأن العقاري. وطالب القاسم بضرورة إقرار مبادئ قضائية بشأن ما هو محل تنازع في المسائل العقارية، والإسراع في إصدار نظام التوثيق مفيداً بأن إقامة المحاكم العقارية سينشأ عنها تركيز لعمل القضايا وصقل لمهارته ورفع لكفاءة أعوانه وإكسابهم مهارات المساندة القضائية المتخصصة. وعلى الصعيد ذاته، يختلف الشيخ أحمد الجعفري رئيس المحكمة العامة في القطيف مع مطالبات التعجل في إنشاء محاكم عقارية متخصصة، وقال: ''مع تقديري لأهمية المبررات الداعية إلى إنشاء محاكم عقارية متخصصة، إلا أنني لا أميل في الوقت الحالي لمسألة التوسع في فتح محاكم متخصصة''. وأرجع الجعفري أسباب تحفظه إلى عدة أسباب، ومنها أهمية التدرج في الولوج نحو المحاكم المتخصصة وما يستدعيه الأمر من متطلبات تنظيمية كبيرة وموارد بشرية وتهيئة للبنية التحتية، وحتى يتم تقييم تجربة المحاكم المتخصصة التي تحتاج أن تأخذ وقتاً كافيا حتى تستقر وتتجلى آثارها وتظهر فوائدها ونقائصها، وإلى ما غير ذلك من أسباب أخرى. ويرى الجعفري أن من أسباب كثرة النزاعات العقارية وطول أمد الفصل في قضاياها، ضعف التنظيمات العقارية ونقص القضاة مقارنة بكثرة القضايا وغيرها من الأسباب العامة في بطء التقاضي، مردفاً :'' هذا يعني أن الأمر غير محصور في القضايا العقارية فقط، ولذا فإن مجرد فتح المحاكم العقارية المتخصصة ليس الوسيلة الرئيسية لحل الإشكالات في القضايا العقارية، وذلك بدليل وجود تجارب عربية فيها محاكم عقارية، ولكنها لم تحقق العدالة الناجزة''.
أرسل تعليقك