بقلم غيث حمّور
نجح فيلم "فندق بودابيست الكبير" في الحصول على جائزة "غولدن غلوب" لأفضل فيلم "كوميدي"، وتمكن الفيلم الثامن في مسيرة المخرج ويس أندرسون من التفوق على أفلام لمخرجين كبار نافسوا على الجائزة، متجهاً بخطى ثابتة نحو جائزة "الأوسكار"، إذ رشّح لتسع "أوسكارات" بينها جائزة أفضل فيلم.
الفيلم ذو الإنتاج البريطاني الألماني المشترك، وكتب قصته المخرج أندرسون بمشاركة هيوغو غينس، ووضع له القصة أندرسون نفسه، وقدّم حبكة مميزة بشخصيات صاغت عالمها الخاص في بلد متخيل اسمه "زوبروفكا" في الجزء الشرقي من القارة الأوربية، وعلى خلفية الأعوام المضطربة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، تجري أحداث الفيلم.
اعتمد الكاتب المخرج على المبالغة في السخرية اللاذعة، ولكن بطريقة مدروسة وموجهة، عبر حوارات سريعة مشوقة ومفعمة بالتفاصيل استخدمت التناقض والطرافة والمفارقة مدخلاً، فالقصة المعقدة في تكوينها قدمت بطريقة سلسلة وبسيطة، مما جعل المشاهد في حالة ترقب دائم لما سيأتي، وفي حالة دهشة متواصلة مما يشاهده.
غيّر أندرسون الصور المعتادة في "السينما" وفرض هويّة متجددة على الفيلم وبناء بصري استثنائي، فأجاد في استخدام أدواته لصناعة فيلم مختلف وخارج عن المأوف، وخلق أجواءه الخاصة على مستوى الشكل المقدم عبر تحويل الصورة "المستطيلة" المعتادة في السينما العالمية إلى صورة مربعة، دائماً ما تتوسطها الشخصيات المحاطة بتصميمات منمقة ومنتقاة بعناية، وبألوان مبهرة أحياناً وداكنة أحياناً أخرى، لترسم صورة بصريّة تحمل دلالات إنسانية وحياتية كثيرة، كاميرته تنقلت برشاقة بين المواقع في مشاهد خلابة بصرياً مرفقة بموسيقى تصويرية وضعها ألكسندر ديسبالت أضفت جواً مبهجاً تارةً وحزينة تارة أخرى.
ولم يتوقف خروج أندرسون عن المألوف على صعيد الصورة فقط، بل أيضاً على صعيد المعالجة وطريقة الطرح، فعمَد إلى إدخال الراوي كعنصر أساسي في قصته، ولكم يكتفي براوٍ واحد، بل انتقل بين ثلاثة رواة، ليصل إلى القاص الأساسي مصطفى زيرو صاحب الفندق والذي يقوم بدوره موري أبراهام، الذي عاد من خلال "الفلاش باك" ليقدم قصته.
أدار أندرسون دفّة الفيلم باحترافية عالية، في ظل زحمة النجوم الموجودة على قائمة العمل والتي وصلت إلى أكثر من 10 كل واحد منهم يمكن أن يكون بطلاً لفيلم، بعضهم يظهر في مشهد واحد منهم: رالف فاينز، إف موراي أبراهام، إدوارد نورتون، ماثيو أمالريك، بيل موراي، أوين ولسون، سيرشا رونان، هارفي كايتل، أدريان برودي، ويليام دافو، وجود لو، وقدّم كل منهم المطلوب منه لخدمة العمل ككل، فيما أجاد رالف فاينز الذي حل بدلاً من جوني الذي اعتذر عن العمل، بتقديم أداء احترافي مؤكداً على احترافيه العالية، وقدراته على تطويع أدواته في خدمة الشخوص التي يقدمها.