بقلم - عمرو الشوبكي
نفذت السلطات الإيرانية، أمس الأول، حكمًا بالإعدام على واحد من أبرز معارضيها، وهو «روح الله زم»، بتهمة «الفساد فى الأرض»، بعد أن اتهمته بالمسؤولية عن إثارة المظاهرات التى شهدتها البلاد عامى 2017 و2018 من خلال إدارته موقع «آمد نيوز» الإخبارى المعارض.
ونشر الموقع- الذى يحظى بمتابعة أكثر من مليون شخص، عبر تطبيق «تليجرام» للرسائل المشفرة- مقاطع مصورة للاحتجاجات ومعلومات بها إدانة لمسؤولين إيرانيين، بما يعنى أنه كان موقعًا سياسيًا معارضًا، وهو ما يعنى بالنسبة للسلطات الإيرانية الفساد فى الأرض.
وقد حجبت السلطات الموقع فى البداية، ولكنه نجح فى الظهور من خارج الحدود باسم جديد، وحصل على حق اللجوء فى فرنسا، وذلك بعدما سُجن مديره فى إيران بعد الانتخابات التى ثار نزاع بشأنها فى عام 2009.
ورغم أن «زم» هو ابن رجل الدين الإصلاحى، محمد على زم، فإن ذلك لم يَحُلْ دون جعل التهمة التى قادته إلى الإعدام هى «الفساد فى الأرض»، وليس المعارضة أو حتى العِمالة أو التظاهر بدون ترخيص أو تكدير السلم الأهلى وغيرها من المفردات المعتادة فى النظم غير الديمقراطية، إنما وُجهت إليه تهمة دينية عقوبتها هى الإعدام.
والحقيقة أن حكمًا كارثيًا من هذا النوع واتهامًا بهذا الشكل (الفساد فى الأرض) يعطينا مؤشرًا على ماذا يعنى الحكم الدينى والدولة الدينية، وكيف تتحول قيم الدين السامية إلى غطاء للقمع والقتل والتعذيب حين تتحول إلى سلطة تعتبر مخالفيها كفارًا يُفسدون فى الأرض، وتوظف كل معانى الدين وقيمه فى بناء مجتمع فاضل ونظام سياسى عادل إلى مجرد تحصين للسلطة القائمة.
صحيح أن الاستبداد لم يكن فقط دينيًا، فعرفنا استبدادًا شيوعيًا وقوميًا وعسكريًا وعلمانيًا، إنما بالتأكيد أسوؤها هو الاستبداد الذى يحكم باسم الدين.
ورغم أن المجتمع الإيرانى مجتمع حيوى ويعرف نظامًا أقرب إلى التعددية المقيدة، وهو نظام مقبول فى دول شرق أوسطية كثيرة، وعرفته مصر فى عهد مبارك، وتعرفه المغرب وتركيا حاليًا وغيرهما، فإن الكارثة فى إيران أن هذا القيد مستمد من تفسيرات دينية، بما يعنى تحويل الاتهامات الدنيوية المعروفة إلى اتهامات تكفيرية لأنه عارض نظامًا استبداديًا دينيًا.
من حق ميليشيا مثل الحرس الثورى لا تعرف تقاليد الدولة أن تفتخر بخطفه، وتقول إنها استخدمت «أساليب استخباراتية حديثة وتكتيكات إبداعية»، بما أتاح «خداع» أجهزة الاستخبارات الغربية واعتقال «زم»، بعد أن دفعته إلى السفر من فرنسا إلى العراق، وهناك تم خطفه.
قد يكون «زم» أسوأ معارض فى إيران، وقد يكون تلقى أموالًا من أمريكا وفرنسا والسعودية وإسرائيل والإمارات كما تتهمه السلطات الإيرانية، فهل يمكن قبول إعدامه فى 2020 إلا لو كان الشعب الإيرانى والإنسانية تدفع كل يوم ثمن الاستبداد باسم الدين؟!
رحم الله «زم».