بقلم - عمرو الشوبكي
مثل الموقف المشرف الذى اتخذته الحكومة الانتقالية السودانية من رفض التطبيع مع إسرائيل احتراما للقواعد التى وُضعت لتنظيم المرحلة الانتقالية، أو كما قال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إنها «غير مفوضة لبحث التطبيع مع إسرائيل قبل إكمال هياكل الحكم الانتقالى»، كما أنه قدم نموذجا لقدرة النظم السياسية على الاستفادة من الإرادة الشعبية فى خلق هامش كبير من المناورة الدولية حتى لو كانت تعانى من ضعف فى مؤسساتها ومن مشاكل كثيرة.
لقد نجحت الحكومة السودانية فى أن تؤجل أى حديث عن التطبيع بلغة محترمة، وترد على مدرسة فى السياسة العربية تقول إن حل المشاكل الاقتصادية والسياسية والتنموية يكمن فى التطبيع مع إسرائيل، وهو ما ثبت عمليًا أنه غير صحيح، كما أنه مثل الوجه الآخر لمدرسة ثانية تختبئ خلف شعارات مواجهة إسرائيل لتبرر الفشل الاقتصادى والسياسى الذى تعانى منه.
أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه الإدارة الأمريكية هو الربط بين رفع العقوبات على السودان والتطبيع مع إسرائيل، وهو موقف لم يعلنه صراحة وزير الخارجية الأمريكى أثناء زياراته لبعض دول المنطقة ومنها السودان، إنما لم يحسمه بشكل قاطع.
إن السودان فى حاجة ليس فقط لرفع فورى للعقوبات حتى يستعيد عافيته، إنما أيضا أن تتعامل معه أمريكا ودول العالم باعتباره دولة طبيعية، تحاول أن تخرج من إرث استبدادى رغم ظروفها الاقتصادية والسياسية الصعبة.
مدهش أن تعطى الإدارة الأمريكية أولوية للتطبيع ليس فقط على حساب حقوق الشعب الفلسطينى، إنما أيضا على حساب نجاح التجربة الانتقالية فى السودان التى جاءت عقب ثورة شعبية مدنية على حكم إخوانى متطرف، وأن تقول إن السودان مازال غير مستقر، وإن الدولة العميقة مازالت تحكم، وإن التحالف السياسى بين المدنيين والعسكريين مازال هشًا، وهى كلها أمور لو افترضنا صحتها فكيف يمكن أن تصل البلاد إلى وضع مستقر وحكم مدنى ديمقراطى وهى محاصرة ومتهمة بأنها ترعى الإرهاب فى حين أن من يعاقبون الآن هم من ثاروا على نظام البشير الذى رعى الإرهاب وأسس لدولة عميقة فاسدة ومستبدة.
مدهش وصادم أن تتصور أمريكا أن مشاكل السودان العرقية والسياسية والقبلية وضعف مؤسسات دولته وهشاشتها حله فى التطبيع، مفهوم أن يكون السلام حلاً لجانب من مشاكل الدول التى دخلت فى حروب ضد إسرائيل، ولكنه حتى فى هذه الحالة ليس وصفة نجاح أو تقدم تلقائية، فكيف لبلد مثل السودان، ليس له حدود مع إسرائيل وليس فى حالة حرب معها، أن يصبح التطبيع بالنسبة له أولوية وهدفا؟ فى حين أنه سيكون سببًا فى مزيد من الانقسام داخل البلاد.
نجاح المرحلة الانتقالية والوصول إلى نظام سياسى منتخب بإرادة شعبية يقرر شكل علاقته بدول العالم هو هدف المرحلة الانتقالية وليس التطبيع.