د. وحيد عبدالمجيد
فى مصر نوعان من القوانين. أحدهما يشمل قوانين صحيحة فى مضمونها وصياغاتها، ومحققة للمصلحة العامة، ومنسجمة مع الدستور. والنوع الآخر يتضمن قوانين معيبة إما فى محتواها أو فى صياغاتها، أو مخالفة للدستور.
ولكن هذه ليست هى المفارقة الوحيدة فى نظامنا القانونى. فثمة مفارقة أخطر منها، وهى أن بعض القوانين المعيبة تُطبق بلا هوادة، ودون عقل فى بعض الأحيان، ثم نحاول معالجة تداعياتها السلبية عندما تتفاقم، بينما يظل بعض أهم القوانين الصحيحة معطلاً لا يجد طريقاً إلى الواقع.
ونجد هذه المفارقة صارخة فى القوانين المنظمة للانتخابات. فلدينا ثلاثة من هذه القوانين، وهى قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون مجلس النواب، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية.
القانون الأول (مباشرة الحقوق السياسية) هو أفضلها على الإطلاق. فهو قانون حديث ديمقراطى ينتمى إلى العصر الذى تعيش فيه. ولكنه للأسف هو أقل القوانين الثلاثة من حيث حرص الجهات المعنية على تطبيقه كاملاً. وما انتشار ما نطلق عليه الرشاوى الانتخابية، واستشراء دور ما نسميه المال السياسى، فى الانتخابات, إلا نتيجة انتهاك بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية. وعندما نقيم ما حدث فى مختلف الدوائر الانتخابية فى الفترة الماضية، ونقرأ الفقرة الأخيرة فى المادة 31 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، لابد أن ينتابنا العجب.
تنص هذه الفقرة على (يُحظر بغرض الدعاية الانتخابية القيام بأى من الأعمال الآتية: تقديم هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية، أو غير ذلك من المنافع، أو الوعد بتقديمها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة).
فهل هناك وضوح فى المعنى وشمول ودقة فى الصياغة أكثر من ذلك؟ ورغم هذا ضرب كثير من المرشحين عرض الحائط بكل كلمة فى هذه الفقرة, وغيرها من فقرات المادة 31 التى تتضمن ما يمتنع على أى مرشح القيام به استغلالاً لثرائه أو قوته أو نفوذه، وما يكفل مساواة حقيقية بين المرشحين والتزاماً جاداً بالحد الأقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية، الأمر الذى يتيح إجراء انتخابات من النوع الذى يعرفه العالم فى هذا العصر، وليس من نوع كان شائعاً فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حين كانت الأموال والنفوذ المحلى وقوة العصبيات التقليدية هى العوامل الحاسمة فى العملية الانتخابية.