بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
من عجائب أمورنا أننا نضطر فى بعض الأحيان إلى مناقشة أمور تُعد بديهية، أو إثارة أسئلة لم يعد أحد تقريبا فى العالم يسألها الآن. ولكن الحالة التى وصل إليها التعليم فى بلادنا تجعله مطروحاً لمناقشات لا تنتهى، وتُثار فيها أسئلة لابد أن تدفع إلى الدهشة إذا أُثيرت حتى فى بلدان سبقناها إلى التعليم الحديث فى القرن التاسع عشر، وإلى إنشاء جامعة فى بداية القرن العشرين، ولكنها لحقت بنا ثم سبقتنا فى مجال كنا نحن رواده فى الشرق الأوسط.
ومن الأسئلة التى لم يكن متصورا قبل عقود قليلة أنها يمكن أن تُطرح السؤال عن وظيفة عمداء الكليات الجامعية، وطبيعة العمل الذى يقومون به على وجه التحديد.
يعرف الناس فى العالم كله تقريباً أن وظيفة عميد أي كلية جامعية هى العمل من أجل انتظام سير الدراسة، ورفع مستوى التعليم فى كليته، وضمان حصول خريجيها على المعرفة التى تؤهلهم للعمل فى مجالهم ويعنى ذلك أن يكون عمداء الكليات فى مختلف الجامعات المصرية مهمومين طوال الوقت بمستوى التعليم، ومهتمين بعقول الطلاب والطالبات، وليس بملابسهم.
ورغم أن هذا أمر بديهى، نجد أن بعض العمداء ينشغلون بما ترتديه الطالبات أكثر مما يهتمون بمستوى التعليم الذى يحصلن عليه. ويؤدى ذلك إلى ممارسات لا تليق بجامعة، ولا بدولة مدنية، من نوع ما فعله عميد إحدى كليات جامعة الإسكندرية مؤخراً عندما أصدر بياناً تضمن تعليمات لأفراد الأمن بمنع دخول أي طالبة ترتدى ما سماه ملابس غير محتشمة وتُثير غرائز الشباب، بهدف منع السفور! وفضلاً عن أن هذا النوع من العبارات يُستخدم أساساً فى خطاب جماعات دينية متطرفة، فليس هناك تعريف مُحدد للملابس المحتشمة، ولا لما يثير الغرائز أو لا يثيرها، وخصوصا بعد أن أصبح المجتمع فى معظمه منغلقاً ومحافظاً، فخلت الجامعات حتى من ملابس كانت معتادة فيها حتى منتصف السبعينيات.
ولذلك نضطر إلى التذكير مرة أخرى بأن وظيفة عميد الكلية تتعلق بعقول الطلاب والطالبات وليس بملابسهم, وأن مهماته الإدارية تتعلق بإيجاد الأجواء اللازمة لتحصيل العلم وتفتيح العقل ليفكر ويبدع, وتوفير المقومات الضرورية للعملية التعليمية من قاعات محاضرات ومعامل وعلاقات ناضجة بين الطلاب والأساتذة.