د. وحيد عبدالمجيد
كنتُ فى لبنان قبل أيام للمشاركة فى المؤتمر الإقليمى الخامس لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية فى الجيش اللبنانى. وسأعود إلى بعض ما نوقش فى هذا المؤتمر الذى عُقد تحت عنوان «الشرق الأوسط ومتغيرات السياسة الدولية».
وعندما بحثت عن الكتب الجديدة الصادرة فى لبنان، لفت انتباهى كتاب صغير «كُتيب»، ولكنه كبير جداً فى معناه ورسالته، فضلاً عن طريقته الجديدة فى توجيه هذه الرسالة المتعلقة بقضية الفقر بحيث تصل بسهولة إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ولذلك ينبغى أن يتعلم أنصار العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان هذه الطريقة التى تعتمد على حوار بسيط بين أب وابنته هما مؤلفا الكُتيب. فقد لاحظ الصحفى اللبنانى خليل حرب أن ابنته كنده (سبعة أعوام) ذات العقل المتأهب للمعرفة تسأل كثيرا عن قضايا عامة، وأن الكثير من أسئلتها يحفز على التفكير رغم بساطتها الشديدة. واهتم حرب بسؤالها عن الفقر اهتماما خاصا.
كانا سائرين ذات يوم فى أحد شوارع لبنان التى تمتلئ بأطفال سوريين بؤساء هاربين من جحيم الحرب التى فجرَّها نظام بشار الأسد بأمل القضاء على ثورة الشعب ضد ظلمه وقمعه الدموى. وصادفا كالعادة عدداً من هؤلاء الأطفال الذين يبيعون أى شىء أو يمسحون الأحذية. ولفت أحدهم انتباه كنده عندما اقترب منها وألح على الأب لكى ينظف له حذاءه، ولاحظت مدى انكساره وهوأنه وبؤس ملابسه. وعندما سألت الأب عن مثل هؤلاء الأطفال، أجابها بأنهم فقراء. فكان سؤالها البرئ: «بابا.. شو يعنى فقير؟». ومن هذا السؤال، وُلد الكُتيب «العبقرى» المكتوب بطريقة القصة الحوارية بين أب وابنته. وهو يجمع بين بساطة الأسلوب وعمق الفكرة. وبمقدار ما نجح حرب فى التعبير بهذه البساطة العميقة عن علاقة الفقر بالاستغلال والظلم والاستعباد والقهر، بدت رسوم كنده البسيطة شديدة الحيوية، فضلاً عن دلالتها على أنها استوعبت الفكرة، وعرفت تماماً ما سألت عنه، وأدركت أن الإنسان لا يكون كذلك إلا إذا أحس بآلام البشر وعذاباتهم.
وإذا كانت رسالة الكتيب بشأن المسألة الاجتماعية وقضية العدل واضحة، فلا تقل عنها أهمية رسالة أخرى تفيد أن الأجيال الجديدة تحمل فى جعبتها الكثير، الأمر الذى يجعل الحوار معها ضرورة إذا أردنا أن نفتح الآفاق المغلقة أمام مستقبل أفضل لهذه المنطقة.