بقلم - سليمان جودة
هذه رسالة كانت قد جاءتنى فى ١٧ يوليو الماضى من الكاتب والإذاعى الليبى المقيم فى لندن عبد الجليل الساعدى، وكنت أتذكرها كلما قرأت شيئاً عما تمارسه تركيا فى ليبيا، فلما قرأت ما نشرته وكالة نوفا الإيطالية هذا الأسبوع، رجعت إلى سطورها القليلة أطالعها من جديد!.. تقول الرسالة: قاعدة الوطية الليبية العسكرية هى أخطر مكان فى ليبيا، فلا تمكنوا الأتراك من توطيد سيطرتهم عليها!
ثم تضيف الرسالة: لا تنفع أى خطوط حمراء مع هذا التنظيم الشرس.. فالخط الأحمر الأخطر هو هذه القاعدة الخطيرة التى بناها الأمريكيون ومكثوا فيها ما يقرب من ثلاثين سنة.. مساحتها خمسون كيلومتراً مربعاً، وبنيتها التحتية فائقة، وموقعها يمكّن القوات الموجودة فيها من التحكم الكامل فى منطقة شاسعة جداً تمتد حتى جنوب أوروبا شمالاً، والجزائر وتونس غرباً، وحتى جبال تيبستى جنوباً.. أما شرقاً فتمتد حتى سماء بنغازى.. وإذا ما احتلها الأتراك فإنها ستشكل خطراً على قاعدة محمد نجيب.. لا فرق بين جحافل المغول التى زحفت شرقاً من قبل، وبين المغول الجدد الزاحفين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. وكأننا مازلنا فى عصور النهب والسلب!.
انتهت الرسالة.. فماذا قالت الوكالة الإيطالية؟!.. قالت إن أردوغان أرسل طائرتى شحن عسكريتين إلى ليبيا، وإن إحداهما كانت إلى الوطية وكانت تحمل أنظمة دفاع جوى يجرى استخدامها حصراً فى داخل منظومة حلف شمال الأطلنطى، والثانية كانت تحمل عناصر ميليشيات من الفصائل العسكرية السورية الموالية لتركيا!!
أتذكر هنا ما كان محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا، يقوله يرحمه الله.. كان يقول إن هناك مَنْ لا يزال يتصور أن فى مقدوره التسلل إلى مصر عن طريق ليبيا.. وبصراح أكثر كان يقول فى أعقاب سقوط الإخوان قبل سبع سنوات، إن هناك من لا يزال يتخيل أن فى إمكانه استعادة مصر عن طريق ليبيا!
هذا كله أعتقد أن صانع القرار فى القاهرة يعرفه تماماً ويعرف كيف يتعامل معه، وأعتقد أيضاً أن عين الجيش المصرى العظيم مفتوحة بما يكفى فى اتجاه ليبيا، وفى اتجاه قاعدة الوطية بالذات، وفى كل اتجاه من حدودنا الأربعة.. ولكن هذا كله أيضاً لا يمنع من العودة لقراءة رسالة الساعدى باستمرار، لأنها من رجل ليبى يعرف خريطة بلاده جيداً، ويرى طرد الغزاة الأتراك خارجها مسألة حتمية.. فليبيا سوف تبقى لأهلها دون سواهم، ولا موطئ قدم فيها لأردوغان الذى لا يريد أن يستوعب فروق التوقيت، بين ما كان فى زمن مضى، وبين ما هو قائم اليوم أمام عينيه!.