بقلم - ناصر الظاهري
لا أدري من هو الذي سَنّ بعض الدلالات، وخص بها أرقاماً معينة، تصلح وحدها دون غيرها للسباب والشتم والذم، مثلما هناك أرقام معينة مخصصة للمديح، والإطراء والشكر في الشخص، نقول في دارجتنا: «فلان 16 آنه أو فلان والنعم 16 آنه»، بمعنى رجل كامل في صفاته ومعانيه، وكلامه الصدق، وأخلاقه الأمانة، و«16 آنه» جاءت من تقسيم الروبية الهندية، وكانت قديماً متداولة عندنا، غير السفرات والتجارة مع الهنود، والتعامل معهم بالأرقام التي يعشقها الهندي كأكثر شيء في الدنيا، و«الآنه» يومها كانت لها قيمة، فـ «ربع الروبيه يساوي أربع آنات» و«نصف الروبية 8 آنات»، و«روبيه إلا ربع تساوي 12 آنه»، وتمام «الروبيه 16 آنه»، لكننا نقول ذماً: «فلان ما يساوي قروني أو آردي أو آنتين أو آنه حمراء»، وكلها عملات كانت متداولة ورخيصة القيمة، كما لا أدري لما كانت صفات الدم أو القدح كانت قديماً مرتبطة بالمال؟ ربما لفقر الناس المدقع، وشحه في أيديهم، اليوم لن تجد أحداً يمدح فلاناً: والله فلان شروى الدرهم، ربما استعاضوا بدلاً عنه: فلان شرى المرهم، وعكسه، في ذم البخيل، نقول: «ما يبول على الجرح، أو يموت على الفلس»!
هناك أرقام معينة تخصصها شعوب العالم للذم والسب، وتختلف هذه الأرقام من شعب لآخر، فالمصريون لديهم رقم ستين هو المستخدم، حيث يقولون: «غار في ستين داهية» أو «في ستين داهية»، كناية عن الزوال والهلاك، وحين يشتمون شخصاً يقولون: «ابن ستين كلب»، ويقولون: «دخت السبع دوخات»، ولديهم قول: «تلت التلاتة كام».
وعندنا في الخليج «بحر ستين، وبحر سته، وفي شعر الميدان العُماني: «بحر السوادي بحر ستين، وبحر المصنعه بحر سته، لي ما غرق في بحر ستين، كيف بيغرق في بحر سته»، ونقول رداً على شخص شتم الأب أو الأم: «أنت ولد ستين كلب، أو ولد ستين...»، ونقول: «ما تسمع صريخ بو يومين»، دلالة على خلو المكان وهدوئه، وتتداول بعض الشعوب العربية كلمة خمسة أو الإشارة بالكف والأصابع الخمسة، دلالة لطرد العين ومنع الحسد، فأهل تونس يقولون: «خمسه وخميسه»، والجزائريون يقولون: «خمسة وخموس عليك»، وحين يحلفون لا يحلفون بالقرآن، يقولون: «وحق 60 حِزب»، ومن أمثالهم: «وحدة في الجيب، خير من عشره في الغيب»، و«جا يسعى ودّر تسعه» بمعنى جاء يكحلها فعماها، ولديهم رقم ينطقونه بالفرنسي «سانت سيس أو مائة وستة» دلالة على الشخص فاقد الرجولة، والهنود يسمون اللص: «جار سو بيس، أو 420» دلالة على الرجل المخادع واللص أو الحرامي، ونقول في عاميتنا عن كل شيء جميل وكامل: «نمبر ون أو رقم واحد أو فص كلاس أي فيرست كلاس»، وكثير من الشعوب، يقدرون رقم 10، ورقم 100، فيقولون للشيء المتميز: «عشرة على عشرة»، و«ميّه ميّه»، ويتمنون لصاحب عيد الميلاد: «عقبال ميّة سنة»، ويقولون للتهنئة: «ألف مبروك»، وللإمتنان: «ألف شكر».