بقلم: سمير عطا الله
في الثاني من مارس (آذار) يكمل ميخائيل غورباتشوف عقده التاسع، والجدل من حوله قائماً: أكان على حق عندما أعلن سياسة الغلاسنوست (الانفتاح) التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفياتي، ومعها الشيوعية العالمية، أم على خطأ؟
الذين لا يزالون يطرحون السؤال هم متفجعو السجون والغولاك ومنافي سيبيريا. ميخائيل غورباتشوف رجل مثل أبراهام لنكولن وغاندي وغيفارا ومانديلا.
فلنتأمل ماذا حدث من بعده؟ خرج نصف أوروبا من تحت حكم موسكو، واستقلت دول البلطيق، وتوحدت ألمانيا، وانتهت الحرب الباردة وسعارها الحار، ودخلت روسيا الاتحادية اقتصادات الدول الأولى، وانتهى في الكتلة السوفياتية السابقة، زمن المستبدين الكاريكاتوريين مثل نيكولاي تشاوشسكو، ذي قصر الألف غرفة وما تبعه من قصور اشتراكية توزعت في أنحاء البلاد. لم تحل في موسكو الديمقراطية النموذجية مع غورباتشوف، وما زالت عادات القيصر حيّة في الكرملين وصاحب الكرملين يرسل خصومه إلى السجون بعد محاكمات مضحكة، ولكن أين روسيا اليوم من روسيا التي كانت ترسل الملايين إلى سيبيريا والملايين الآخرين إلى مقابر ستالين؟
تغير مع غورباتشوف وجه البشرية. ليس من مسؤوليته أن خلفه بوريس يلتسين كان سكيراً أساء استخدام الحرية. إليك أداء الحرية في تشيكوسلوفاكيا، أو بولندا، أو دول البلطيق.
لم تتوقف حروب العالم ولا شروره ولا مؤامراته، ولا توقفت العجرفة الروسية مع وصول غورباتشوف. لكنه كان محاوراً دمثاً محترماً. وأبعد من موسكو صورة الحاكم الإملائي الذي يسخر ضاحكاً من أعدائه في الخارج، ويسجن خصومه في الداخل، لكي تحل مكانها شخصية المتواضع، المقدر للرأي الآخر. وبعكس أسلافه ليونيد بريجينف وقسطنطين تشيرنينكو وستالين، كان رجلاً واسع الثقافة والمعرفة ومطلعاً على عادات ومفاهيم المجتمعات الأخرى. ولم ينزلق أو يجر الاتحاد السوفياتي إلى مغامرات الآخرين. وكان أفضل مثال على ذلك يوم رفض مؤازرة صدام حسين في غزو الكويت، حتى من الناحية المعنوية. وإذا كان سلفه الصاخب نيكيتا خروشوف قد قسم العالم بإقامة جدار برلين، فإن الجدار انهار في عهده. وحلت محل العداء مع أميركا والصين، علاقات انفتاح وتبادل. وأخرج موسكو من أفغانستان ومن حروب الواسطة في أفريقيا. ولم يرسل دباباته وجيوشه لتأديب حلفائه، كما فعل خروشوف في المجر وبريجنيف في تشيكوسلوفاكيا. ولم يضع سلامة الكرة الأرضية على الحافة كما فعل خروشوف في كوبا.
كان مرور غورباتشوف في دائرة السلطة الكبرى في هذا العالم، علامة فارقة، في امتلاك أقصى القوة وفي عدم استخدامها