بقلم : خالد منتصر
رحل يوسف شعبان، وبوداعه ودّعنا جيلاً عظيماً منح الفن روحاً جديدة وألقاً متفرداً، جيلاً رحل عنا معظمه بالموت أو بالإهمال وهو على قيد الحياة، كانت صرخة يوسف شعبان قُبيل رحيله وشكواه من نسيان المنتجين والمخرجين لجيله صرخة أوجعت وأدمت القلب والروح، يوسف شعبان ابن دفعة العمالقة الذين تخرجوا فى معهد الفنون المسرحية معاً وخاضوا تجربة الدراما التليفزيونية ومسارح التليفزيون معاً لا واسطة لهم إلا موهبتهم الفياضة التى خرجت كالبركان، صنعوا مجد مسلسلات وتمثيليات ماسبيرو التى ما زلنا نعيش عليها وتفخر بها شاشاتنا حتى اليوم.
دفعة يوسف شعبان رحل منها قبله الفنانون المبدعون عزت العلايلى وحمدى أحمد وأبوبكر عزت وزين العشماوى وصلاح قابيل وأحمد توفيق، وما زال بيننا مد الله فى عمرهم ومتعهم بالصحة جلال الشرقاوى وعبدالرحمن أبوزهرة ورشوان توفيق، هذه الدفعة، أو هذا الجيل يتميزون بأنهم نجوم دراما تليفزيونية، وبينهم نجوم مسرح أولاً، ثم تأتى السينما فى المرتبة الثانية، وأستثنى منهم فقط عزت العلايلى الذى كانت السينما هى ملعبه المفضّل والأفضل، إذا استثنينا «العلايلى» نجد أنهم، وعلى رأسهم يوسف شعبان كانوا أبطال دراما تليفزيونية بلا منازع، كل منهم غول تمثيل أمام كاميرات التليفزيون، والذى كان فى بدايته شبيهاً بالمسرح، فقد كانوا يصورون الخمسة وأربعين دقيقة أو النصف ساعة، نَفَس واحد بدون توقف، ولو حدث خطأ يعيدون من البداية!!!
احتضنهم الفنان العبقرى سيد بدير فى بداياتهم وصقلهم ومنحهم قبل الموهبة التى كانت موجودة عندهم بالفعل، منحهم الثقافة والحس وبوصلة ورادار القدرة على الاختيار السليم، وكانت أدوارهم الثانية فى السينما علامات لا يمكن أن تنساها، وتأثيرها مثل تأثير البطولة بالضبط، لكن ظلت ظاهرة النجم التليفزيونى عصية على التفسير.
من يشاهد يوسف شعبان فى «رأفت الهجان» أو «الشهد والدموع» أو «المال والبنون» أو غيرها من أعماله التى صارت من كلاسيكيات التليفزيون، يتعجّب كيف لهذا المارد العملاق الذى يخطف القلوب قبل الأبصار أثناء أدائه، وعيناه كالمغناطيس لا يمكن أن تقاوم جاذبيتها وتأثيرها كمشاهد، كيف لهذا النجم التليفزيونى ألا يقتحم السينما ويحصل على بطولات كثيرة مثل الجيل الذى سبقه، أحمد مظهر وشكرى سرحان ورشدى أباظة.. إلخ، ما السبب؟، هل هناك مواصفات لنجم السينما مختلفة عن التليفزيون؟
مع يوسف شعبان كان السؤال فعلاً أكثر صعوبة، فهو وسيم ولا نستطيع إلا أن نصفه بالچان الذى لا يقل وسامة عن أى نجم سينمائى، ومن ناحية التمكن فهو متمكن أمام كاميرات السينما بنفس الحضور والكاريزما التى تظهر أمام كاميرات التليفزيون، يكفى أن تشاهد مشاهده مع الفنانة شادية فى فيلم «ميرامار».
السؤال ما زال مطروحاً، لكن ما ليس مطروحاً، هو تعويض هذا الجيل بكل هذا الثقل الفنى وحجم الموهبة الجامحة، والأهم عمق الثقافة وعشق الفن.