بقلم : خالد منتصر
أكبر أزمة تواجهك عندما تنكسر هى أنك تريد أن تشطب انكسارك بأستيكة أبدية، أن ترمم حائطك النفسى بطلاء كاذب يُخفى العيوب، أن ترمم شقوق الروح بدون أن يظهر أى خيط، أن تُخفى تجاعيد حزنك وشجنك بالفيللر والبوتوكس الذى يجعلك كالرجل الضاحك فى رواية فيكتور هوجو بينما كان يتألم ويحاول أن يبكى، لا تمنح ملامحه الغريبة للآخرين سوى ضحكة بلهاء باردة ومزيفة، هناك مصطلح عبقرى فى اليابان قام بحل تلك المعضلة، وهو «الكينتسوجى»، كيف تُصلح انكسارك بألا تخدع نفسك، بألا تنكر ماضيك، بألا تكنس انكساراتك تحت طرف سجادة الخوف، بأن تكون انكساراتك شعلة انتصاراتك، عدت إلى المصادر لأعرف منها معنى تلك الكلمة اليابانية، وهذا ما باحت به صفحات إثراء العقل والقلب من اقتباسات:
كينتسوجى تأتى من كلمتَى «kin» ومعناها ذهب، و«Tsugi» التى تعنى ربط، لتصبح الترجمة الحرفية لهذه التقنية: «ربط الذهب».
بالعودة إلى زمن ظهور فن الكينتسوجى يُشار إلى أن اكتشاف هذه التقنية القديمة يعود إلى القرن الخامس عشر، فحسب ما حدث فى ذاك القرن، كان أمير الحرب اليابانى أشيكاغا يوشيماسا، وخلال حفلة شاى، كسر آنيته المفضلة، فعاد بها إلى الصين لإصلاحها، لكنه استردها بعد ترميمها باستخدام دبابيس معدنية، فأحبطته النتيجة، وعندها عهد إلى حرفيين يابانيين بمهمة الإصلاح بطريقة فنية أكثر، ما أفضى إلى ابتكار فن الـ«كينتسوجى».
يرتكز فن الـ«كينتسوجى» على فكرة إصلاح ما تم كسره مثل الأوانى، ليس بتمويه الشقوق وإخفائها، بل بإبرازها عن طريق لون الذهب الذى لا تغفل عنه عين، ويجذب الكبار والصغار ببريقه الأخّاذ.
الكينتسوجى تتجاوز كونها مجرد ممارسة فنية بسيطة، فهى ترمز إلى الشفاء، لأن الجسم المكسور الذى يتم ترميمه يتقبل ماضيه ويصبح فى المقابل أكثر مرونة وأكثر جمالاً وأكثر قيمةً عما كان عليه قبل الصدمة، وفى ذلك إشارة إلى إمكانية أن يأخذ الإنسان من هذه الفلسفة جوهرها بتقبُّل كل انكساراته والصعاب التى عاشها أو يعيشها لأنها تُظهر أجمل ما فيه.
ادمج انكسارك فى ذاتك، ولا تعالجه بالتجاهل ولكن بالترويض، سيظل المكتئب يسمع جرساً حزيناً، فليجعله نغمة فى كونشيرتو حياته التى لن تقف بهذا الجرس الزنان المزعج، ستظل هناك يد تمتد من تلافيف الروح وانكسارات النفس، تحاول جذبك إلى دوامات مثلث برمودا، خذ هذه اليد «أنجاچيه» واستند إليها عكازاً يُخفى تعثر وثقل خطواتك، تعامل مع عيوب ملامحك النفسية وديفوهاتك الروحية بأزميل النحات لا بديناميت الانتحارى، تذكَّر الأمير اليابانى الذى رمَّم الفخار بخيوط الذهب، وشكَّله جمالاً مختلفاً لا يقل عن الأصل، لن تتخلص من حمولة انكساراتك بتعبئتها فى شوال وإلقائها فى البحر، فانكساراتك هى ظهرك الذى تحدّب مع الزمن، وهو جزء منك لا تستطيع بتره، ولكن احمله وتحمّله حتى يصبح مثل الشهيق والزفير والنبض، تحمل انكسارك ورممه بخيوط ذهب الحب والصداقة والفضفضة والتأمل والتصالح والرضا والأمل والبهجة.