بقلم - عماد الدين حسين
لو أن هناك كائنا هبط فجأة من السماء وتجول فى أى شارع مصرى، فلن يكتشف أن هناك فيروسا قاتلا اسمه كورونا موجودا فى مصر!
الواضح أن غالبية المصريية قد اقتنعوا أن الفيروس قد غادر مصر تماما، ولن يعود.
فى الخامسة من مساء يوم الإثنين الماضى مررت بميدان رمسيس، ثم دخلت محطة القطارات المركزية، لتوصيل والدتى وأختى وابنها إلى القطار المتجه لأسيوط.
فى النفق الذى يربط بين أرصفة المحطة خصوصا القطارات المتجهة للصعيد وهى «٨ و٩ و١٠ و١١» كان هناك تكدس رهيب بين الداخلين والخارجين. كنت أحاول ألا تقع والدتى وسط الزحام، وبعد لحظات اكتشفت أن عدد من يرتدون الكمامة، لا يزيدون على عشرة فى المائة تقريبا.
وصلت إلى رصيف رقم عشرة، وتفحصت الوجوه، فلم يكن هناك من يرتدى الكمامة، والأهم لم أَرَ أى مسئول بالمحطة ينصح الناس بارتدائها. دخلت إلى القطار رقم ٨٧٢، وكان عدد من يرتدونها قليلا جدا، رغم أن الناس كانت متلاصقة.
تحرك القطار، وعدت مرة أخرى خارجا من المحطة فى ميدان رمسيس. هذا الميدان أظن أنه الأكثر زحاما وضوضاء وعشوائية فى إفريقيا والشرق الأوسط. المشهد متكرر، الباعة الجائلون وسائقو الميكروباصات والتاكسيات والمارة والخارجون والداخلون إلى المحطة، معظمهم لا يرتدون الكمامة.
نزلت إلى محطة المترو، وركبت من رمسيس إلى محطة «سعد زغلول» وكان المشهد متكررا أيضا. صحيح أن المترو لم يكن شديد الزحام فى هذا التوقيت «نحو السادسة مساء». لكنه مكان مغلق والناس متراصون على المقاعد وبعضهم وقوف، وبالتالى فإنه يكفى وجود شخص واحد مصاب ليقوم بنقل العدوى للآخرين.
خرجت من محطة سعد زغلول لأجد سوق إسماعيل أباظة، الموجود قرب «مربع الوزارات» أكثر ازدحاما من رمسيس وكالعادة، اختفت الكمامات إلا قليلا.
قبل أيام كتبت فى هذا المكان تحت عنوان «خليها على الله» عن سائقى التاكسيات والميكروباصات، الذين هجروا الكمامات تقريبا. لكن لم أكن أظن أن العدوى قد وصلت إلى غالبية المواطنين فى الشوارع والميادين.
ومن الواضح أن غالبية المصريين صاروا واثقين أن كورونا انتهت، أو أنها موجودة لكنها لن تصيبهم، وإذا أصابتهم فإنهم سوف يتعافون سريعا!
للموضوعية فإن حجم الإصابات فى مصر قليل بالفعل مقارنة بما يحدث فى غالبية بلدان العالم. الأعداد التى تعلنها الوزارة قد لا تكون دقيقة، والسبب ببساطة أن عددا كبيرا ممن يصابون يفضلون العلاج فى بيوتهم بدلا من «بهدلة المستشفيات»، ورغم ذلك وحتى لو افترضنا أن العدد الحقيقى خمسة أضعاف المعلن عنه، فإن النسبة تظل ضعيفة، والتقديرات الطبية أن شراسة الفيروس قد تراجعت إلى حد كبير.
لا يوجد تفسير علمى قاطع لهذا التراجع، والبعض يراه «سترا ولطفا من الله العالم بحال المصريين»، والبعض الآخر يعزوه إلى التطعيمات التى تلقاها المصريون فى الماضى ضد أنواع كثيرة من الأمراض والفيروسات.
سألت الدكتورة هالة زيدان وزيرة الصحة حين قابلتها يوم السبت الماضى، عن تفسيرها لهذه الظاهرة، فقالت إن الأمر الأساسى هو حسن الإدارة من الوزارة التى استعدت لكل السيناريوهات منذ ظهور الفيروس وحتى الآن، لكنها حذرت من حالة الإهمال والتراخى فى اتخاذ التدابير الاحترازية.
أتصور أن الحكومة مطلوب منها مزيد من التشدد فى تطبيق قواعد التباعد الاجتماعى وإلزامية ارتداء الكمامة فى الأماكن المزدحمة ووسائل المواصلات العامة، خصوصا أن هذا الفيروس صار يفاجئنا كل يوم بالجديد، وآخر مفاجآته أن حالة عالمية كانت مصابة وتعافت، ثم أصيبت مرة أخرى وبعدها توفيت، وهو ما ينسف جزئيا فكرة مناعة القطيع، التى راهن عليها كثيرون قبل شهور.
أتمنى أن تصل الرسالة إلى أكبر عدد من الناس، وهى أن ارتداء الكمامة لدقائق أو لساعات، أرحم مليون مرة من دخول تجربة الإصابة بالفيروس، وقانا الله وإياكم منه.