بقلم - عماد الدين حسين
يوم الأحد الماضى، تمكنت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية من توجيه ضربة قوية لتجار المخدرات، حينما ضبطت حاوية قادمة من دولة عربية، عبر ميناء دمياط البحرى وبداخلها ١١ مليون قرص كبتاجون المخدر، بقيمة تصل إلى ٣٨٥ مليون جنيه تقريبا.
الحاوية كان مسجلا أنها تحتوى على فلاتر مياه داخل ١١٨ كرتونة، وتم وضع أقراص المخدرات داخلها.
وفى يوم ٢٠ نوفمبر الماضى تمكنت نفس الإدارة من ضبط ثلاث حاويات قادمة من الخارج إلى ميناء الإسكندرية، كانت أوراقها الرسمية تقول إنها تحتوى على ورق الغار «اللورى»، لصالح شركة استيراد وتصدير بمحافظة الإسكندرية، لكن أصحابها قاموا بإخفاء ٢٫٥ طن من مخدر الحشيش بقيمة تصل إلى ٢٠٠ مليون جنيه، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وضبط شخصين يقيمان فى مدينة نصر متهمين فى هذه القضية.
والتقديرات أنه تم ضبط مخدرات خلال أسبوعين فقط بقيمة تزيد على مليار جنيه.
هذان الخبران الفاصل بينهما لا يزيد على ثمانية أيام، وهما يكشفان حجم الخطر الكبير الذى يتهدد مصر من جراء تجارة المخدرات.
هذه التجارة المدمرة، ليست مجرد تاجر وبضاعة، ولكنها فى جزء كبير منها يتورط فيها أجهزة ودول تستهدف دولا أخرى لتدميرها بصورة بطيئة، وأحيانا يمكنك أن تحقق أهدافك بالمخدرات، حينما تفشل فى تحقيقها بالسياسة أو الاقتصاد، وكلنا يتذكر، كيف نجح الاستعمار الإنجليزى فى إنهاك الشعب الصينى بالأفيون.
فى القضايا الأخيرة أولا: لابد من توجيه التحية والتقدير والتشجيع لكل من ساهم فى ضبط هذه الشحنات الضخمة، التى إن تمكن أصحابها من إدخالها، كانت ستعنى مزيدا من المدمنين فى مصر.
ثانيا: إذا كانت إدارة المخدرات مشكورة نجحت فى إجهاض هذه الشحنات، فكم شحنة مماثلة يحتمل أن تكون قد دخلت إلى البلاد؟!
ثالثا: أعرف أن التحديات التى تواجه مصر كثيرة ومتنوعة، من أول الإرهاب إلى نقص الموارد إلى مياه النيل إلى التهديدات التركية والإسرائيلية، بل وأحيانا ممن نحسبهم «إخوة وأشقاء»، لكن أتمنى أن نبدأ فى التركيز أكثر على سلاح المخدرات التى يهدد شبابنا بصورة خطيرة.
كتبت قبل ذلك وأكرر الآن، أن خطر المخدرات وصل إلى الريف، بصورة خطيرة. آباء مسافرون فى الخارج يكدون ويتعبون من أجل تعليم أولادهم ومعيشتهم، وأمهات لا يستطعن أن يفعلن كل شىء، ويعجزن عن تربية هؤلاء الشباب، والنتيجة هى إدمان البعض للمخدرات، بحجة أنها عنوان الرجولة.
بعضنا كان يظن فى الماضى أن السجائر هى الرجولة! ثم وصلنا إلى قاع جديد بأنواع متعددة من المخدرات خصوصا الرقمية.
إدارة المخدرات وسائر إدارات وزارة الداخلية تبذل جهودا جيدة لمكافحة المخدرات، ووزارة التضامن الاجتماعى تبذل جهودا مماثلة فى مجالها، خصوصا مبادرات «أنت أقوى من المخدرات»، وكذلك الكشف المفاجئ على سائقى سيارات النقل والمدارس والموظفين. لكن من الواضح أن حيل وأساليب المهربين متجددة ومتنوعة، والدليل هو استمرار نشاط تجار المخدرات.
لا نريد أن نكرر خطورة هذه الظاهرة، خصوصا نوعية الجرائم الجديدة التى تجعل شبابا صغيرا يرتكبون جرائم خطيرة بمنتهى السهولة، والسبب الوحيد هو المخدرات. علينا أن نحلل بهدوء نوعية الجرائم الأخيرة فى المجتمع، من أول بعض سائقى التكاتك نهاية ببعض جرائم الطبقة الراقية، وسوف نكتشف أن المخدرات كانت عنصرا أساسيا فيها.
وزارة الداخلية أدت دورها فى كشف الشحنات الأخيرة، والسؤال هل أدت بقية أجهزة ومؤسسات وهيئات المجتمع الأخرى دورها؟!!
ماذا فعلت المدارس والمساجد والكنائس والنقابات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، فى مقاومة إدمان المخدرات والسهولة النسبية التى تنتشر بها؟!
الدولة تبذل جهودا كبيرة فى عملية البناء والتنمية، لكن من المهم أن يتواكب مع ذلك تحصين وحماية المجتمع خصوصا الشباب من إدمان المخدرات، لأنه إذا فشلنا فى ذلك لا قدر الله، فسوف تذهب كل جهودنا سدى.
أظن أنه حان الوقت لكى يتم شن حرب لا هوادة فيها ضد الإدمان والمدمنين خصوصا كبار التجار ومموليهم وداعميهم فى الخارج.
هؤلاء أخطر مئات المرات من الإرهابيين، على الأقل الإرهابى نعرف أنه عدو ظاهر، فى حين أن تاجر المخدرات يعيش بيننا ويدمر شبابنا ويتظاهر بالعكس!