بقلم - عماد الدين حسين
هل يسرع بعض العرب فى تقديم هدايا مجانية للرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب، حينما قرروا إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أم أن هذا القرار توجه جديد ولا صلة له بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التى انهزم فيها ترامب، وفاز بها جو بايدن؟!.
توقيت بدء العلاقات بين الدول العربية الثلاثة الإمارات والبحرين والسودان، كان مقصودا فى جزء كبير منه أن يسبق بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى جرت فى ٣ نوفمبر الماضى، ولم يتم إعلانها رسميا حتى هذه اللحظة بسبب عدم اعتراف ترامب بالهزيمة وإن كان بدأ يعلن تقبلها بالتدريج.
الاعتقاد الخاطئ لدى غالبية العرب هو أن الناخبين الأمريكيين يصوتون لهذا المرشح أو ذاك بناء على العامل الإسرائيلى، أو حتى بناء على أى عامل خارجى.
الشئون الخارجية مهمة، لكن دورها ضعيف جدا فى الانتخابات الرئاسية، التى يحتل فيها الشأن الداخلى الأهمية الكبرى خصوصا فى الاقتصاد والصحة والتعليم وبقية الخدمات.
الدليل على ذلك أن ترامب الذى خدم إسرائيل والصهيونية بصورة لم يفعلها أى رئيس أمريكى من قبل، لم يصوت له غالبية يهود أمريكا؛ حيث صوت ٧٧٪ منهم لبايدن على أساس قضايا داخلية خصوصا التأمين الصحى والمناخ وضرورة مكافحة كورونا، وجاء موضوع إسرائيل فى مرتبة متدنية جدا من اهتماماتهم.
وبالتالى فإن إقامة علاقات عربية مع إسرائيل فى الأسابيع الماضية لم يستفد منه ترامب بالمرة، واستفادت منه إسرائيل فقط، التى حصلت على سلام مجانى ولم تدفع مقابله شيئا.
السؤال الذى يسأله كثيرون: ألم يكن من الأجدى أن ينتظر العرب انتهاء الانتخابات الأمريكية، ويرون من هو الفائز، وبالتالى يتخذون أى خطوة؟!!.
ألم يكن وارد أن بايدن لديه نسبة 50% للفوز، وبالتالى كان يمكن استخدام هذه الأوراق المهمة المتمثلة فى إقامة العلاقات مع إسرائيل بصورة أفضل كثيرا؟!
معروف أن لبايدن رؤية مختلفة إلى حد كبير فى نظرية العلاقات مع الخليج مقارنة بنظرة ترامب.
بايدن مع إحياء الاتفاق النووى مع إيران، ويعارض الحرب فى اليمن، وهاجم مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى فى قنصلية بلاده بإسطنبول، وبالتالى ومن وجهة نظر براجماتية فقط، كان يمكن انتظار حسم الانتخابات أولا، وبعدها يمكن استخدام ورقة إسرائيل أو أى ورقة أخرى.
بنفس المقياس فلو أن الدول العربية تعاملت مع قرار العلاقات مع إسرائيل باعتباره سيساعد فى فوز ترامب، فإنها تكون قد قامت بمغامرة كبرى خسرت فيها هذه الورقة تماما.
لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن هذه البلدان، لم تفعل ذلك من أجل خاطر عيون ترامب، حتى لو كانت راهنت عليه كثيرا.
يقول أصحاب هذه الرؤية إن التوجه لإقامة هذه العلاقات سابق تماما للانتخابات الرئاسية، وربما يكون منفصلا تماما عنه.
الصلة الوحيدة لأمريكا بالموضوع هو أن واشنطن ومنذ إعلان أوباما الشهير أو ما عرف بـ«عقيدة أوباما» والقاضى بالانسحاب التدريجى من المنطقة، والتوجه نحو آسيا وترك المنطقة تحت رحمة إيران بعد اتفاق «٥ + ١» عام ٢٠١٥، ربما يكون هو الذى دفع بعض بلدان الخليج للتفكير فى البديل الإسرائيلى لأمريكا، كى يتصدى لأى أطماع إيرانية محتملة.
طبعا البديل الأفضل أن يكون الحل عربيا، بمعنى وجود حد أدنى من التوجه العربى يتصدى لأى أطماع سواء كانت إيرانية أو تركية أو إسرائيلية أو إثيوبية، وبالتالى ومع غياب هذا البديل أو ربما لعدم التفكير فيه من الأساس، جاء التفكير الخليجى فى الاستعانة بـ «الصديق الإسرائيلى» لمواجهة «الجار الإيرانى» الذى يتحمل مسئولية كبرى أيضا فى جعل بعض العرب لا يرى حلا لمواجهة الهيمنة الإيرانية سوى «الأحضان الإسرائيلية المسمومة»!!
السودان له حسابات مختلفة تماما، وتكاد تكون واشنطن قد أجبرته على العلاقات مع إسرائيل كشرط جوهرى لرفع اسمه من لائحة الإرهاب، وبدء الاندماج فى الاقتصاد العالمى.
فى كل الأحوال، ومن وجهة نظر مصلحية بحتة نتمنى أن يفكر العرب بمنطق مختلف بحيث يحصلون على ثمن مقابل ما يقدموه للآخرين، لأننا تقريبا صرنا الأمة الوحيدة فى العالم المعاصر الذى نقدم الخدمات وأحيانا التنازلات مجانا؟!.