بقلم - عماد الدين حسين
«لأول مرة فى حياتى لا أشاهد مباراة الأهلى والزمالك، بل إننى لم أتابع النتيجة بشغف وقلق ورعب كما كنت فى السابق، وشغلت نفسى بما هو أهم.
لم أفعل ذلك خوفا من التوتر الذى كنت أعيشه، ولا هروبا من الرعشة التى كانت تنتابنى، ولا تجنبا لخفقان قلبى الذى كان يدق بسرعة رهيبة، ولا نجاة من حزن دفين كان يسكننى لأيام إذا خسر الأبيض، لكننى فعلت ذلك بمنتهى الثقة والتمكن والقناعة ودون أن أشعر بآلام حالة الفطام من شىء أحبه.
منذ عام اتخذت قرارا بالانفصال عن التشجيع والانحياز، وعالجت نفسى من أدران التعصب، واقتنعت بأن كرة القدم هى الأفيون الذى يخدرون به الشعوب، ولا تستحق أن نتعامل معها باعتبارها معركة حربية، بل هى أتفه مما نتخيل، ومن يرى هموم بلده يهون عليه تشجيع الكرة.
الآن أستنشق نسائم الحرية وأشعر بأننى تحررت من الخوف والقلق والتوتر بعد أن أمضيت عمرى أسيرا فى «سجن وهمى»، وكان البعض يضرب بى المثل فى التعصب، الآن لم تعد تهمنى النهايات ولم أعد أكره وأحب، ولم تعد تعذبنى نار كراهية الأحمر ولا يشقينى أنين حب الأبيض، الآن أرى الألوان بلونها الطبيعى، الآن أتأمل بدهشة من يفعل مثلى ويقتل نفسه بيده».
الكلمات السابقة ليست لى، ولكنى وجدتها مكتوبة على صفحة الزميل والصديق عماد صبحى، وهو كان مشجعا زملكاويا شديد التعصب، كنت أشعر بجانبه، حينما نتحدث بأننى ضعيف أو معدوم الانتماء للزمالك.
بعد ما كتبه عماد وجدت تعليقات متنوعة اخترت منها الآتى:
«أنا فى الطريق كنت عاهدت نفسى أن أعتزل التشجيع. كرة القدم فى بلادنا لا تلعب للمتعة بل للمكايدة وزيادة الكراهية والشحناء خصوصا الذين كرروا السباب العنصرى لشيكابالا».
وتعليق ثان يقول: «اتفضل صف معنا فى الطابور المحترم، قلنا كده كثيرا كانوا يتهموننا بالتخلف»!!!.
وتعليق ثالث يقول: «مررت بهذا وشفيت أيضا، ولكن حدثت لى انتكاسة وعدت مدمنا مرة أخرى فخذ حذرك».
انتهت التعليقات، وأتفق مع الكثير منها، لكن هناك زاوية اختلاف أيضا. التعصب موجود فى العالم كله وكذلك المكايدة والمناكفة، لكن السؤال دائما إلى أى درجة؟!!.
نحن فى مصر لسنا استثناء من هذا التعصب، وما حدث فى الأرجنتين قبل حوالى عامين بالضبط خير مثال. أكبر فريقين فيها وهما بوكا جونيور وريفر بلات وصلا إلى نهائى أبطال أمريكا الجنوبية، لعبا المباراة الأولى فى العاصمة بيونس أيرس لكن حدثت مصادمات وإصابات بين مشجعى الفريقين، وتم نقل المباراة إلى ستاد برشلونة فى إسبانيا.
نعود إلى التعصب ونقول إن الأصل هو الانتماء، وما لا يدركه المتعصبون فى مصر للزمالك أو الأهلى أنه من مصلحة أى فريق منهم أن يكون الفريق الآخر قويا ومنافسا، على البطولات دائما.
من دون وجود فرق قوية لن يكون لأى بطولة طعم، وستصبح ــ مع الأرق ــ مثل الدورى الإيطالى الذى يحتكره اليوفنتوس منذ عشر سنوات تقريبا، أو الدورى الفرنسى الذى يحتكره باريس سان جيرمان.
النموذج الأفضل فى الدوريات العالمية كلها هو الدورى الإنجليزى حيث توجد فرق كثيرة تستطيع أن تفوز بالبطولة. وفى مباريات كثيرة لا يمكنك مطلقا أن تتنبأ بمن سيفوز، حتى لو كانت بين المتصدر والمتذيل!
طبعا من حق أى مشجع أن يتمنى أو يحلم بأن يفوز فريقه فى كل المباريات الودية والرسمية، وأن يحتكر كل البطولات، لكن لو حدث ذلك، فما الذى سيجعل الجماهير تهتم بهذه المسابقة، طالما أنها تعرف مسبقا أن هناك بطلا واحدا يحتكر الفوز.
الأمر يشبه إلى حد ما حزب يحتكر السلطة ويفوز فى كل الانتخابات، أو فنان سوبر لا ينافسه أحد على المسرح أو السينما، أو أى شخص فى أى مجال. من حق كل مشجع أن يحب فريقه كما يشاء، ويتمنى فوزه دائما، لكن عليه أن يتذكر دائما أنها رياضة أى فوز وهزيمة.
ما يجعل الحياة ممتعة أن تكون متنوعة ومدهشة، ولا يمكن التنبؤ بكل شىء فيها.
من حق أى مشجع أن ينتمى لفريقه، لكن ليس من حقه أن يتعصب بشدة، عليه أن يدرك أن الرياضة هدفها الأساسى السمو بالنفس وقبول الآخر، وليس ما نراه أو نسمعه أو نشاهده فى الفضائيات.
والموضوع الأخير يستحق مناقشة واسعة بسبب الجرائم والكوارث التى يتسبب فيها بعض المنتسبين للإعلام الرياضى.