بقلم - عماد الدين حسين
وصلتنى صورة من أحد الأصدقاء على فيسبوك تظهر شارعا غير ممهد بالمرة، ومرصوف فيه فقط مساحة لا تزيد على ثلاثة أمتار، والتعليق تحتها يقول: «الباقى بعد الانتخابات»!
لا أعرف إذا كانت الصورة صحيحة، أم أنها مزيفة، لكن معناها يعكس جانبا كبيرا من الصحة فى العلاقة بين المرشح والناخب.
المفترض والمثالى فى فكرة الانتخابات، أن يعطى الناخب صوته للمرشح أو الحزب، الذى يرى أنه الأفضل والقادر على تحقيق آماله وأهدافه ومصالحه، لكن على أرض الواقع وفى بلدان عديدة فإن المرشح يلجأ إلى كل الطرق لكى يكسب ثقة الناخب، حتى لو كانت هذه الطرق غير مشروعة.
ومازلت حتى هذه اللحظة أتذكر، حينما كان عمرى عشر سنوات، مشهدا فى قريتى بأسيوط. مقطورة الجرارات الزراعية، تكدِّس الناس، خصوصا الفلاحين، فيها لكى يذهبوا للإدلاء بأصواتهم فى اللجان الانتخابية بالقرية.
الفلاحون بسطاء وفقراء، وغالبا كان المرشح سليل إحدى العائلات الاقطاعية، أو شديدة الثراء، والمفترض نظريا أن مصالحهما متناقضة، لكنها الحاجة أولا وانعدام الوعى لدى الناخبين ثانيا.
هذه العلاقة تترسخ أكثر فى الانتخابات بالنظام الفردى، وتقل إلى حد ما فى نظام القائمة، سواء كانت نسبية أو مطلقة.
اتذكر مرشحا كان عضوا بارزا فى حزب التجمع، وترشح ذات مرة فى إحدى دوائر أسيوط. كان يذهب إلى الفلاحين فى بيوتهم وحقولهم وإلى العمال فى مصانعهم، ليعرض عليهم برنامجه المدافع عن حقوقهم، لكنهم لم يكونوا ليستمعوا له جيدا، ظنًا أنه «ملحد»، ووقت الانتخابات يصوتون لابن وحفيد الباشا أو لمرشحين آخرين، لا يدافعون عنهم حينما يدخلون المجلس!!. كانوا يقولون وقتها: «والله الراجل ده بيتكلم كويس.. لكننا سنعطى صوتنا لمن يستطيع أن يقضى مصالحنا ويحل مشاكلنا». كان الصراع دائما ولا يزال بين نائب الخدمات ونائب السياسات، ويا حبذا لو وجدنا مرشحين يجمعون بين الاثنين.
سلاح المال موجود فى كل المعارك الانتخابية منذ بدأت الانتخابات، والحيل والوسائل كثيرة، ومهما كانت المراقبة يظل المرشحون قادرين على الالتفاف على القواعد واللوائح والقوانين. صحيح أن الهيئة الوطنية للانتخابات تراقبهم، لكن، كما قال لى مسئول بارز فى الهيئة الوطنية للانتخابات قبل أيام: «ماذا سنفعل إذا قام شخص بعمل دعاية إضافية لمرشح من دون أن ينسق معه، أو ماذا نفعل إذا قام مرشح منافس يعمل دعاية لمنافسه، كى يوقعه تحت طائلة القانون؟؟!».
ومن يتابع الانتخابات المختلفة سوف يدرك مدى تنوع حيل المرشحين فى التأثير على الناخبين، البعض كان يستخدم «الجنيه المقطوع» أى نصفه حين يدخل ونصفه حينما يخرج من اللجنة، أو «القسم على المصحف» بالإدلاء بالصوت للمرشح وليس لمنافسه!!.
ظنى الشخصى أن القضاء على ظاهرة المال السياسى والتأثير على الناخبين مرتبط بدرجة وعى الناس أولا، وستظل موجودة طالما استمر نظام الانتخابات بالطريقة الفردية.
وإذا كنا نريد أن نرتقى بالمشهد السياسى، فالحل الذى أتمنى أن نصل إليه قريبا، هو القائمة النسبية التى ستمرن الناخبين وتعودهم على انتخاب قوائم حزبية لها برامج واضحة، وليس لمرشح من أجل إدخال ابنه فصلا فوق الكثافة، أو إلحاق ابنته بوظيفة فى أى جهة حكومية، لكن بشرط أن تقوم الحكومة بواجبها فى توظيف الناس وحل مشاكلهم الصعبة، حتى لا نجد المشهد المتكرر للنائب وهو يطارد الوزراء بطلبات أبناء الدائرة سواء داخل قاعات البرلمان أو فى دهاليز الوزارة!.