بقلم - عماد الدين حسين
الخبر الجيد أن عدد التطعيمات باللقاحات ضد فيروس كورونا، حول العالم، قد تجاوز عدد الإصابات المبلغ عنها والتى تجاوزت يوم أمس أكثر من 109.4 مليون إصابة مع أكثر من 2.4 مليون حالة وفاة.
لكن الخبر السيئ أن الدول الأكثر غنى وثراءً وقدرة هى التى ستحصل على اللقاح أولا، وعلى الفقراء الانتظار لحين ميسرة، أو تكرم الدول الغنية بالعطف عليها.
مدير عام منظمة الصحة العالمية ــ الإثيوبى المنحدر من إقليم اليتجراى ــ تيدروس أدهانوم غبرسيسوس، قال قبل أيام إن أكثر من ثلاثة أرباع التطعيمات كانت فى عشر دول فقط، هى أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وألمانيا وإسبانيا والصين وإسرائيل والإمارات وروسيا. هذه البلدان تستحوذ على ٦٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى.
المفارقة أن هناك ١٣٠ دولة بها أكثر من ٢٫٥ مليار نسمة، لم تحصل على أى جرعة من أى لقاح حتى الآن.
الدكتور محمود محيى الدين المدير فى صندوق النقد الدولى، والخبير الاقتصادى المرموق، تحدث قبل أيام، عن نفس الفكرة، وقال إن هناك دولا، أمنت لنفسها اللقاح بكميات أضعاف أعداد البشر فيها، بينما هناك دول أخرى، لم تؤمن حتى الآن أى نسب ولو بسيطة، لكى تصل بشعبها إلى بر الأمان.
والحقيقة المفزعة التى يقولها العديد من الخبراء والمراقبين، أن الدول الأشد فقرا، قد لا يصلها اللقاح إلا عبر مساعدات دولية ضخمة، ولن يكون ذلك قبل عام ٢٠٢٤.
نسب الفقر صارت مخيفة، وزادت عالميا لمستويات غير مسبوقة منذ عام ١٩٩٨، ثم إن الديون العالمية تضاعفت لمعدلات غير مسبوقة أيضا.
مدير الصحة العالمية أدهانوم يقول إن هناك ضرورة لتوفير اللقاح لجميع بلدان العالم. والمسئول والخبير الأمريكى المعروف فى الأوبئة والفيروسات أنتونى فاوتشى، يقول إن أفضل علاج لمواجهة كورونا هو توفير اللقاحات لأكبر عدد من الناس.
والدكتور عوض تاج الدين مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، قال إن المشكلة تتمثل فى أن كمية اللقاحات محدودة، ولا تكفى الطلب العالمى عليها.
كل ما سبق كلام جميل ومثالى، لكن هل هناك إمكانية لتطبيقه على أرض الواقع؟!
الإجابة هى لا، والذين حصلوا على اللقاحات أولا، هى الدول التى تمتلك العلم والمعرفة والمال، وتمكنت من إنتاج اللقاحات أولا وهذه البلدان هى أمريكا وبريطانيا والصين وروسيا، أو الدول التى لديها قدرات مالية ضخمة، تستطيع بها شراء أى كميات من اللقاحات مثل بعض الدول الأوروبية الغنية أو بلدان الخليج.
فى حين أن إسرائيل لم تدفع أى شىء تقريبا، لكن حصلت على لقاحات تكفى لتطعيم معظم سكانها، بعد أن اتفقت مع الشركات الكبرى أن تزودها باللقاحات مقابل أن تزودها، إسرائيل ببيانات مواطنيها الذين تلقوا اللقاح ونتائج التطعيم أولا بأول.
نعلم أن معظم الدول تصرفت بطريقة «أنا وبعدى الطوفان»، بل إن دونالد ترامب فكر قبل خروجه من البيت الأبيض، أن يمنع تصدير لقاح فايزر، قبل أن يتم اكتمال تطعيم كل الأمريكيين. ونعلم أيضا قصة الصراع الشرس بين الشركة البريطانية المنتجة، للقاح استرازينيكا وبين الاتحاد الأوروبى، حول ضرورة الالتزام بالمواعيد المتفق عليها لتسليم اللقاح.
طبعا هناك الائتلاف العالمى للقاحات، الذى يوفر آلية الوصول العالمى للقاح المضاد لكوفيد ــ 19، والمعروف باسم «كوفاكس»، ودوره أن يقدم اللقاحات للبلدان الفقيرة بشروط مالية ميسرة جدا.
السفير الصينى بالقاهرة قال قبل أيام إن بلاده ستقدم ١٠ ملايين جرعة إلى «كوفاكس»، وستقدم اللقاحات للدول الفقيرة بتكلفة يمكن تحملها لـ٥٠ دولة نامية. وسمعنا نفس الكلام من الدول المنتجة للقاحات.
لكن السؤال الجوهرى: متى تكتفى الدول الكبرى والغنية من اللقاحات، وتبدأ فى التكرم والعطف على البلدان الفقيرة؟!!.
الإجابة لا يعلمها إلا الله، لكن من الواضح أن الفقراء سيدفعون ثمن فقرهم وسوف يدركون أن الجهل والتخلف عن ركاب العلم والتكنولوجيا له ثمن فادح، يصل إلى فقدان أعداد كبيرة من المواطنين لحياتهم.
وبالتالى وكما قال مدير منظمة الصحة العالمية: «ما لم نقمع الفيروس فى كل مكان، فقد ينتهى بنا المطاف إلى نقطة البداية».
وإذا حدث ذلك، فسوف تستمر الإصابات والوفيات فى التزايد، وهو ما يعنى تطبيق نظريات داروين، وروبرت مالتس فى «البقاء للأقوى» و«الانتخاب الطبيعى» وتفسيرها المتطرف الذى يقود للإبادة الجماعية لكثير من الشعوب الفقيرة والمريضة، بحجة اعتصار التراكم المطلوب للتنمية والتقدم الصناعى، وفى حالتنا هذه «كورونا»، فهى تعنى مزيدا من الوفيات بين الفقراء والمرضى وكبار السن.