هل غضبُ المسلمين في معظم أنحاء العالم ضد الإساءة للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، طبيعي ومنطقي؟!
الإجابة هي نعم قاطعة، وكل أتباع دين، مهما كانت درجة تحضرهم وتقدمهم، يغضبون إذا تمت الإساءة لدينهم وأنبيائهم بل ورموزهم الدينية، مهما كانت بسيطة.
السؤال المهم: هل هناك بين المسلمين، خصوصاً السياسيين، من حاول توظيف الإساءة للرسول في فرنسا إلى أهداف دنيوية سياسية بحتة؟
الإجابة أيضاً هي نعم قاطعة، وخير مثال لذلك هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ركب الموجة من أول يوم، وحتى الآن، محاولاً توظيف القضية في الانتقام من فرنسا.
رأيي الواضح، أن الشاب الشيشاني عبدالله أنزورف هو إرهابي ومتطرف، وأساء للإسلام والمسلمين، حينما ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي شمال باريس انتقاماً منه لأنه عرض في أحد الفصول الدراسية الرسوم المسيئة للرسول محمد، عليه الصلاة والسلام. ورأيي أيضاً أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أخطأ خطأً فادحاً في تعامله مع تلك القضية، واهتم فقط بحرية الرأي والعلمانية، لكنه تجاهل مشاعر كل مسلمي العالم، بما فيهم خمسة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا.
أسوق المقدمة السابقة حتى يكون كلامي واضحاً، في زمن صار مطلوباً من كل شخص أن يكون إما أبيض أو أسود، رغم وجود العديد من الألوان والتدرجات بينهما.
هذه القضية سلطت الضوء أكثر على بهلوانية أردوغان ومتاجرته بكل شيء، من دون أن يتخذ هو نفسه الموقف الذي يطالب الآخرين باتخاذه.
قبل بضعة أسابيع، عقدت الإمارات العربية المتحدة معاهدة سلام مع إسرائيل، ويومها احتجت تركيا بشدة، وهو ما أثار سخرية كثيرين، وخاطبوا أردوغان قائلين: إذا كنت معترضاً بحق على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، فلماذا لا تبادر أنت بنفسك، وتقطع علاقات بلادك مع إسرائيل وتوقف حركة التجارة المتنامية معها؟!
لم يجب أردوغان، وقرر استمرار معاركه الكلامية مع إسرائيل، وفي نفس الوقت تعزيز علاقته معها على أرض الواقع. وقبل أيام سمعنا أن تحالفاً اقتصادياً تركياً يدرس الاستحواذ على ميناء حيفا لإدارته.
وقبل أيام قليلة، شن أردوغان هجوماً حاداً على فرنسا ورئيسها ماكرون، ودعا كل المسلمين لمقاطعة فرنسا وبضائعها بسبب الإساءة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، لكن أفضل من اصطاد أردوغان، وكشف زيفه وتناقضه ونفاقه، كان زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليشدار أوغلو، الذي اتهم الرئيس التركي بأنه يحاول التغطية على الأزمات التي تشهدها تركيا، بما فيها انهيار الليرة.
كمال أوغلو خاطب أردوغان قائلاً: «إذا كنت جاداً أو صادقاً وشجاعاً في تهديداتك لفرنسا، فلماذا لا تفكر بإغلاق مصانع شركة سيارات رينو في تركيا؟ أنت تتحدث من دون أفعال».
المعروف أن عدد الشركات الفرنسية في تركيا يصل إلى 500، ويعمل بها 100 ألف تركي، منهم 6 آلاف شخص في شركة «رينو» التي تقوم بتصنيع 320 ألف سيارة سنوياً.
وحسب صحيفة «زمان» التركية، فإن أوغلو قال لأردوغان أيضاً: «لو كنت صادقاً أيضاً لأحرقت حقيبة زوجتك من ماركة «هيرمس»، ثم هل أنت تركت مواطناً تركياً لديه القدرة على شراء المنتجات الفرنسية؟! نريد أن نعيش في سلام، الصراعات لن تفيدنا، العالم تخلى عنا وتركنا وحدنا».
ومن السخرية أن بعض أنصار أردوغان يقولون إن حقيبة زوجته مقلدة وليست صناعة فرنسية أصلية. وهو ما يكشف التخبّط، بل وربما الكذب.
ومن الواضح أن أردوغان صار يجسّد السياسي الذي يتحدث كثيراً، ولا ينفذ شيئاً مما يقول. هو يزبد ويصرخ ويطلق التهديدات، لكنه عند الجد لا يفعل شيئاً.
نتذكر تهديداته المستمرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتعهده بعدم إطلاق القس أندرو برانسون، الذي اتهمه أردوغان بالمشاركة في مؤامرة مع فتح الله غولن للانقلاب عليه. لكن عندما قرر ترامب شن حرب تجارية ضد أردوغان، سارع الأخير لإطلاق سراح برانسون من دون قيد أو شرط!
شخصياً، سوف أعيد النظر في تقييمي لأردوغان حينما تتطابق أقواله مع أفعاله، وحينما يتوقف عن السياسات والأقوال والشعارات البهلوانية التي صار خبيراً فيها.
لكن مشكلته أن العديد ممن كانوا منخدعين فيه، اكتشفوا حقيقته، وأنه يتاجر بكل شيء من أجل أن يحقق حلمه، أو وهمه، بأن يكون «خليفة للمسلمين» أو «سلطاناً عثمانياً»، وهو الأمر الذي يزداد صعوبة كل يوم.