بقلم - عماد الدين حسين
هناك اعتقاد غريب بين عدد من النشطاء السياسيين فى مصر والمنطقة العربية، خلاصته أن الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن لا هم له إلا مصر والعرب، وأنه ترشح وفاز فقط من أجل الانتقام من حكومات هذه المنطقة، خصوصا المقربين من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
من يقرأ لهؤلاء النشطاء، سيدرك على الفور حجم الرهانات الكبيرة لهم على بايدن باعتباره «المخلص»، الذى سينهى كل المشكلات السياسية فى المنطقة.
هؤلاء يتعاملون مع الزمن باعتباره ثابتا وجامدا لا يتغير، وأنه توقف عند يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حينما أطاح الشعب المصرى بحكم جماعة الإخوان.
لا يدرك غالبية هؤلاء الناشطين أن المنطقة بأكملها، وليست فقط مصر، لن تكون الشغل الشاغل لبايدن وإدارته.
هناك العديد من الملفات الأساسية التى تشغل بال هذه الإدارة، ولن يكون فى مقدمتها منطقة الشرق الأوسط بأكملها. سيكون أمام بايدن وقت طويل لإزالة آثار ترامب داخليا وخارجيا.
وخير من عبر عن هذه الفكرة كان الكاتب الأمريكى المعروف توماس فريدمان فى حواره المهم مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة On E قبل أيام.
هو قال بوضوح: «المنطقة العربية ليست فى قائمة أولويات السياسة الخارجية لبايدن. والأولوية هى استعادة العلاقات مع حلفائنا خصوصا فى حلف الناتو، وبعدها كيفية التعامل بتوازن مع الصين، وفى المرتبة الثالثة تأتى روسيا، ورابعا قضية التغير المناخى، ثم قضية الجيران فى الجنوب، وبعدها قضية الهجرة».
يضيف فريدمان: «منطقة الشرق الأوسط ستكون فى آخر القائمة، ربما لأنه لا يوجد أمر عاجل يجذب انتباهنا، فقضية السلام تبدو بعيدة، وما لم ينفجر شىء ما يتعلق بإيران، فلن تكون المنطقة فى الأولويات لهذه الإدارة».
هذه وجهة نظر مهمة لخبير بشئون المنطقة العربية هو توماس فريدمان الكاتب الأشهر فى النيويورك تايمز.
وليس معنى هذا الكلام أن بايدن سينسى المنطقة بأكملها، بل سيظل مهتما بإسرائيل وأمنها، والملاحة فى قناة السويس، وعدم تأثير أوضاع المنطقة على أسعار النفط فى العالم.
وبالتالى، وطبقا لتوقعات كثيرين، فسوف يتحدث بايدن وإدارته عن الحريات وحقوق الإنسان فى كل المنطقة، والمؤكد أننا سنشهد فى الفترة المقبلة مزيدا من البيانات والدعوات والانتقادات من الإدارة الأمريكية بشأن هذا الملف، لكن السؤال الجوهرى: إلى أى مدى سوف يصل هذا الانتقاد؟!
التقديرات أن أسس العلاقات ستظل مستمرة، لكن النغمة ستختلف.
ثم إن هؤلاء الناشطين لا يدركون أيضا أن بايدن نفسه كان من الذين رفضوا الإطاحة بحسنى مبارك، خلال الأيام الحاسمة لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وأن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما أقر بذلك فى مذكراته الأخيرة، حينما قال إن التصويت فى مجلس الأمن القومى بشأن الموقف من الثورة المصرية تم على أساس عمرى.
إذا كان هذا هو موقف بايدن، أما موقف أوباما نفسه الذى انحاز إلى فريق الشباب وقتها المؤيد لتنحى مبارك، فلم يستطع أن يتخذ خطوات تتعارض مع المصالح العليا لبلاده فيما يتعلق بمصر.
بقية فترة أوباما من يونيو ٢٠١٣، وحتى مغادرته البيت الأبيض نهاية عام ٢٠١٦، كانت تتسم بفتور سياسى واضح ومناكفة النظام وتعطيل بعض المساعدات وقطع غيار الأسلحة، لكن العلاقات الاستراتيجية ظلت مستمرة عبر عدة قنوات مهمة مثل البنتاجون والسى آى إيه ووزارة الخارجية. ونتذكر أن وزير الدافع الأمريكى وقتها تشاك هيجل، كان يتواصل بطريقة شبه أسبوعية، مع وزير الدفاع المصرى وقتها الفريق عبدالفتاح السيسى.
ثم إن الرئيس الأسبق تحدث قبل مغادرة البيت الأبيض فيما سمى بـ«عقيدة أوباما» عن الخروج من المنطقة تماما، والتوجه نحو آسيا، وأغلب الظن أن بايدن سوف يستمر فى هذا التوجه، لأن منطقتنا صارت عبئا على العالم أجمع.
سيقول البعض إن بايدن انتقد النظام المصرى أكثر من مرة فى الشهور الأخيرة، وهذا صحيح، وسوف نفترض أن بايدن يفكر بنفس طريقة أوباما القديمة، ومعه بعض أفراد فريقه الجديد، أى التركيزعلى ملفات حريات التعبير وحقوق الإنسان، فالمؤكد أنه محكوم فى النهاية بمصالح بلاده العليا.
مرة أخرى لا أعنى بهذا الكلام أن بايدن مثل ترامب، أو ألا نهتم بحقوق الإنسان،، بل علينا أن نفعل ذلك، لأن الشعب المصرى والشعوب العربية تستحق ذلك فى الأساس، وليس لأن بايدن أو بلدانا أوروبية أخرى، تطالبنا بذلك، لكن ما أركز عليه هو أن يفيق بعض الحالمين، ويدركوا أن بايدن ليس هو الشخص الذى سيغير شكل المنطقة.
الذى سيفعل ذلك هو شعوب المنطقة نفسها، وما تستطيع أن تحققه من تقدم فى عملية التنمية الشاملة خصوصا التعليم والصحة والتكنولوجيا والخدمات.
حينما تفعل ذلك ستحصل على كل ما تتمناه.