بقلم - علي أبو الريش
لا تلتهب الجذوة إلا بوجود الخشب اليابس، وكير النافخين في النار. ما حدث في نيس الفرنسية يمنحنا التوقف عند إشارته الحمراء القانية.
تقول الأخبار، إن من قام بالجريمة هو شاب في مقتبل العمر، لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وهو شاب ذو سوابق في بلده. كما تتكهن الدوائر الأمنية بأن وراء هذا الحادث الأليم جهات إرهابية، وشبكة معقدة تغذي مثل هذه الأعمال الشنيعة.
لو حاولنا تتبع خيوط التاريخ خلال العقود القليلة التي مرت، سنجد هناك فاحشة دينية، أخلاقية تختبئ تحت جلد كل جريمة نكراء يرتكبها وحش بشري، وتؤدي إلى البطش بأبرياء ليس لهم ذنب سوى أنهم مروا بذلك الطريق الذي جلس فيه هذا الإرهابي وتربص بالمارة، وحدث ما حدث.
جرائم كثيرة حدثت، والعالم لم يزل يحصي ضحاياه، ومن دون البحث عن الأسباب، التي قد توقف هذا النزيف الدموي، والرعب الاجتماعي، وتكسر رخامة الاقتصاد العالمي جراء تفتت وجدان أصحاب رؤوس الأموال وهم يشهدون هذا الرعب المتجسد في صورة كائن بشري.. وما هو ببشري.
وبعد كل هذا الصراخ والعويل وشتم المجرمين، ومقت الإجرام، نشعر بأن العالم المتحضر عاجز عن إيجاد الحل الذي يمنح الأمان للأبرياء، ويقطع دابر الإرهاب، ويجعل الأوطان تمضي إلى نهر الحياة من دون مباغتات تفتح أبواب الجحيم لأناس لا ذنب لهم سوى أنهم وضعوا في مجتمعات كهذه.
ربما أخطأت السياسات في كشف مستور العقد، وأمراض الانتماءات العصابية، ربما أن السياسات نفسها فتحت أبواب الصدام غير المألوف في مجتمعات كان يفترض أنها أراض شاسعة للحب، والتسامح، والتعاون، والاندماج في الكل، بدلاً من تمزيق قماشة الولاء للوطن الواحد، وارتداء معطف الحقد والكراهية، وذلك تحت سطوة معتقد لا يمت للأديان السماوية بأية صلة.
الإرهاب سوف يستمر عندما يجد الحواضن، وعندما يجد من يسوقون مهاراته الدموية، وعندما يجد من يخلطون ما بين الدين، والتدين، وما بين الحقيقة والخيال، وما بين الواقع والوهم، كما أن هذا الإرهاب لا تنمو أغصانه الشوكية إلا في الأماكن التي ترتفع فيها أصوات النشاز، والتي تنتمي إلى أولئك الذين يبحثون عن طريق يؤدي بهم (إلى من أين تؤكل الكتف)، بهدف تحقيق مآرب أخرى، حتى وإن كان ذلك على حساب الأوطان، وهذا ما يحدث في الديمقراطيات الزائفة والتمثيليات الهزلية في عالم اليوم.
الإرهاب سيسقط عندما تتهاوى جدران الكذب، وترتفع راية الحب في الضمير العام.