بقلم - علي أبو الريش
يبدو أن لصحيفة الصباح إشراقة الشمس، وتغريد الطير، ورفرفة سعفات النخيل، وصوت صغار يتصارعون مع أمهاتهم قبل الذهاب إلى المدرسة، ونداءات قطط الأزقة من خلف الجدران، وبريق عيني امرأة لم تزل تطارد بقايا النوم على محياها وأحلام ليلة طغت عليها أرقام الإصابات بكورونا في أنحاء العالم من شرقه إلى غربه.
أم الصحف الإماراتية تتسلل صباحاً وتجلس على مكتبك كأنها المأدبة، وقد حضرت لك فسيفساء إخبارية متنوعة، مختلفة المشارب والمذاهب، وأنت المعني بحب هذه الصحيفة، تتكئ على ذاكرتك، وتهم في النبش بين السطور، ومن طيات الأخبار، والتحقيقات، والدراسات تجد نفسك مندمجاً، منسجماً مع الكلمة وكأنها السيمفونية التي تشنف أذنيك، وأول ما تقع عينيك عليه هي تلك السطوة المؤلمة لوباء كورونا، حتى أنها طغت على أخبار الحروب، وتشققات الجغرافيا والتاريخ في الوطن العربي، كما وأصبحت أخبار هذا الوباء تفيض عدائية ضد الإنسانية لا تساويها إلا عدوانية أردوغان الذي أصبح موازياً لهذا المرض في بطشه وجبروته وتعاليه، ومكابرته، وكرهه لكل ما هو عربي، وقد استطاع في غفلة من الزمن أن يمرر مشروعه الكيدي حتى على بعض أعرابنا، ممن يرون فيه الصورة البارانوية التي تحتل منطقة واسعة من مشاعرهم البغيضة لكل من يقف على الضفة الأخرى، والتي لا تساوم على الوطن، مهما تورمت الشعارات، وتضخمت الأكاذيب، واحتقنت القلوب.
وأنت تتصفح، وتقلب الأوراق المخضبة بحبر الساهرين على تلوين حياتنا بشغف القراءة، تجد ما يجلي عنك بعض ما تشبث في نياط القلب، تجد صفحتك الثقافية التي تنتظرها على نار اللهفة وتقرأ، وتكحل عينيك بما جادت به قريحة عشاق الأحلام الزاهية، وتحاول ما أمكن أن تتخلص من رهط الحروب، والصراعات، والأحقاد، والضغائن، والدسائس، والجدل العقيم بين هذه الأيديولوجيا وتلك، وبين هذه الطائفة ونقيضها، تحاول أن تهرب بهذا القلب من اللهيب، والصبيب، والنحيب، تحاول أن تنظف النهر الداخلي من الشوائب، والخرائب، والنواكب، تحاول أن تجلس على ضفة نهر، أو خاصرة جغرافيا لم تلحقها ألسنة النار البشرية، تحاول أن تستعيد ذاتك التي سرقتها مناقير الضواري، تحاول أن تقلب صفحة التاريخ على ضوء قد يأتي من آخر النفق، تحاول، ورغم كل العتمة، فإن الأمل موجود، لأن هناك طفلا جديدا سوف يولد في بقعة من هذا العالم، وهناك حب جديد يتخلق في رحم الطبيعة، وسوف يقول للكراهية، العالم سيطلّق الحقد، لمجرد أن تنفتح قنوات القلوب على بعضها، ويتحول العالم إلى قناة واحدة، اسمها التسامح، وتغيب الأنا، وتحضر الـ «نحن»، وينجلي الليل، وتعود الشمس بشرشف البهاء، والصفاء، والنقاء.