بقلم - علي أبو الريش
في مسألة الأنا والآخر تحضر معضلة التشبث بالثيمة القديمة، لجان بول سارتر القائل: (الآخرون هم الجحيم)، ويبدو أن بعض العرب يتمسكون بنصف الآية القرآنية وهي (ولا تقربوا الصلاة)، وذلك تهرباً من جحيم العقاب الرباني، وتسرباً بعيداً عن التأنيب الاجتماعي.
حلقة ربما تبدو مفرغة، ولكنها في الحقيقة تعبر عن مضمون علاقة ملتبسة بالواقع، وهي خليط ما بين الخوف من شيء والحب لشيء ما.
في ديننا الإسلامي الحنيف نحن نقرأ في الأدبيات الإسلامية أننا مع الوحدة الوجودية وهي التي تقوم على التصالح مع الآخر، وما الاختلاف إلا طريق للائتلاف، وما الحدود إلا طرق تؤدي إلى جغرافية تمتد من وريد الكرة الأرضية حتى وريدها.
ولكن عندما نقف أمام المشهد الواقعي نرى ما يراه النائم من كوابيس، تفزع، وتقرع أبواب جهنم في كل من يطالب بالتخلص من براثن ماضٍ تعدى كثيراً على عقيدتنا السمحاء، ونال منها موقع السيف من العنق.
اليوم عندما تشرع دولة في كسر الزجاجة للوصول إلى الرحيق المنسي تقوم قيامة الرابضين عند حضيض الأفكار المغلقة، والرافضين زحزحة القارب كي يغادر الرمل ويصل إلى الماء.
ماذا يمكن أن يحدث لو استمر العرب في رفضهم فتح نافذة الحوار مع الآخر، وبالأخص الآخر الذي يختبئ خلف كومة من العقد التاريخية، كما ننضوي نحن أيضاً وراء قناع سميك من اللاءات والتي لا تفضي إلا إلى بحار من الدم، حتى أصبحت الرمال العربية بحيرات تختزل التاريخ في هذا اللون القاني، نقول لو استمر العرب في التقوقع في محارة اللغة العصية على التفكيك، والفكر القابع تحت رثاثة مصطلحات باتت من السماجة بما يثير الشفقة، وكذلك الاشمئزاز، فسوف يأتي يوم لن نجد فيه دولاً عربية على الخارطة، وأعتقد أن الشواهد الواقعية تؤكد هذا الإحساس، فاليوم دول عربية باتت تلملم عباءتها وتمضي إلى السبات العميق تحت ملاءة مكسوة بغبار الفقدان، وضياع المكتسب، وانفجار بالون التحليق.
وفي مقابل ذلك، نهضت دول نكرة، وتمددت، وصارت تتحدث بلغة فوقية، وتمضي في تمددها على حساب تاريخنا، وجغرافيتنا، ومكتسباتنا الحضارية. لماذا؟ لأن التوقف عند درجة الصفر لا بد وأن يصيب بالتجمد، ولا بد وأن يفقدنا القدرة على الحركة.
نحن بحاجة إلى تفكيك خيوط الشباك المتراكبة، لكي نتمكن من العودة إلى البحر، فنصطاد السمكة التي نريد، فحريتنا تكمن في قدرتنا على التخلي عن خرافة أننا وحدنا نعيش في هذا العالم، وسوانا ليسوا أكثر من غرباء طارئين.