بقلم - علي أبو الريش
للشتاء دفؤه الخاص، كما هو المخمل بقماشته الراقية. في المساء عندما تسحب الشمس خيوطها الذهبية، تنسل مجموعة من البشر، تحت جنح الظلام، ويلوبون خلف صغار تفردوا في حب الطبيعة، وساروا متناغمين مع حبات الرمل الباردة، تتسلل إلى قيعان أقدامهم الرهيفة مثل جداول الماء في شرايين الشجر. على الرمل الأحمر، تبدو الأحلام أكثر بريقاً، وأجمل نصوعاً، تبدو العيون من خلف غشاء الليل الداكن مثل بلورات تلمع على صفحات وجوه بارعة في التخفي، ولكن لا يبدو الليل وديعاً إلى درجة الكسل، بل في حياضه المشاغبة، تترعرع صور الحياة، وتنمو شجيراتها بألق العشاق الذين خبأوا أحلامهم صيفاً في معاطف الرطوبة الخانقة، لتبرز في موسم هو من أجمل المواسم في العالم، وعلى أثر هذا التدفق من مشاعر أشبه برذاذ المطر، وأقرب إلى الندى في التشدق بالسماء الصافية، والتي تبدو في الليل مثل قبعة عملاقة مرصعة باللآلئ، والناس يغدقون أنفسهم بمزيد من ترف الطبيعة، والتي هيضت أجنحتها منصاعة لرغبة الشاجبين لكل أنواع الضجيج، والذين لاذوا بالصحراء، صحراء الإمارات النبيلة بحثاً عن مهد، يمهد لقلوبهم مآل الهدأة، ونعيم السكون، حيث تتلاقى الدورة الدموية للأجساد مع حركة النجوم في السماء، والصحراء خيمة عريقة، مشدودة الأركان بسيقان الغاف، محفوفة بأذرع النخيل، مكسوة بعشب الحياة القشيب.
عندما تنظر إلى الهضاب شاسعة الأحداق، تسمع صوت حنين للمطر، وتسمع خشخشة أوراق لم تزل تنتظر دمعة الغيمة الحبور، لم تزل تخيط ملاءة تفاؤلها، بالزيارة الميمونة، لماء السماء العذب.
في الصحراء تنمو الأمنيات من دون مزاحمة، ولا تصادم مع صور بلا ملامح، في الصحراء تنتعش أشجان الشجر، وهو يفرك أوراقه وكأنه يشحذ أحلام يقظته، في انتظار ريعان الصباح، في عفويته، وبراءة أزهاره، وحنين الحمام البري إلى رفيق، أو طريق ربما ضللته مسافات النسيان.
لشتائنا نخوة الدفء، ولهفة التلاحم ما بين الإنسان، والطبيعة، وما بين الشجرة والطير، وما بين الحلم الشجي، وأغنيات الطير في فضاء لم تسكنه الضوضاء ولم تعفر دروبه حماقة اللا أسوياء.
لشتائنا فرادة الدفء، واستثنائية الصفاء، ووشوشة النسيم عند آذان الحقول الوادعة، عند مسامع السهول الهاجعة.
للشتاء لغة أبلغ من قواميس اللغة، وللشتاء قصته القصيرة جداً مكثفة بالمعنى، ومغزى أن يكون الزمن صفحة عليها تكتب قصة بلد، تتمتع بنعيم صفائها، قلوب الناس أجمعين.