بقلم - علي العمودي
التاء الأولى تعني الترفيه ذا المحتوى الهادف، والتاء الثانية تخص صناعة التفاهة، ومن يقف خلفها اليوم لإغراق شبابنا بين أمواجها العاتية. ومناسبة الحديث ما يجري في واقعنا، فقد تابعت بذهول قصة مراهق خليجي لا يتعدى السادسة عشرة من العمر «ينتج» مقاطع صوتية- لا نستطيع وصفها بالأغاني لا علاقة لها به- كلماتها مفككة غير مترابطة، ومع هذا استطاعت بعض هذه المقاطع تسجيل أكثر من31 مليون مشاهدة على «يوتيوب»، خلال ثلاثة أشهر.
دُعي لإحياء حفل ضمن نشاط «ترفيهي» في بلاده فاحتشدت جماهير غفيرة لا تتوافر لأشهر المشاهير هناك. وطلب منه أحد المراكز التجارية الضخمة في المنطقة الظهور- مجرد الظهور لا ترديد مقاطعه- في حلبة التزلج التابعة للمركز، فإذا بالثلاثة طوابق المطلة على الحلبة تكتظ بطوفان من المراهقين والمراهقات تدفقوا لمشاهدته.
وبذات السرعة الصاروخية التي صعد بها المراهق للأضواء، هوى بعد أن ضُبط مع مراهقة غرر بها لتعاطي المخدرات، وأظهرت التحقيقات أنه كان يزرع الحشيش في محل إقامته مستخدماً التقنية الضوئية لإنبات المخدر.
العدالة ستأخذ مجراها، وسيلقى جزاء ما ارتكب، ولكننا سنظل أمام السؤال الكبير الذي تركته لنا الواقعة من دون إجابة، وكل منشغل ببناء وأمن واستقرار وسلامة المجتمعات وتربية الأجيال معني بالبحث عن إجابة للسؤال، ما هي القوى أو الأيادي الخفية التي تقف وراء صناعة التفاهة التي تحاصرنا وتعمل على سلبنا أغلى ثرواتنا، فلذات أكبادنا؟.
في الفضاء الافتراضي الفسيح علماء مشاهير في مجالات وميادين عدة يحرصون على مشاركة المجتمع علمهم عبر قنوات التواصل الاجتماعي لا يصل عدد متابعيهم لنصف بالمئة لما وصلت إليه أرقام مشاهدة راعي «الصمون» و«البقدونس» صاحب المتابعات المليونية والحضور الجماهيري الكاسح، ويتقاطع مع السؤال تتمة حول الجهات الخفية التي تقف خلفها، وأتاحت لمراهق غر ليس فقط إدمان المخدرات، بل التمكن من زراعتها بتقنيات عصرية حديثة ومتطورة!.
نحن بحاجة لرصد مثل هذه الظواهر والتوقف أمامها بتمعن وعمق، فهناك من يراها بأنها ليست مجرد دليل عقم وإفلاس بل إنما حالة يأس فئات عمرية يفترض بأن المجتمعات والأمم تعتمد عليها لتحقيق النهضة والتقدم والرقي. من ذلك الذي يريد إيصال شبابنا والأجيال المقبلة لهذا المستوى المحبط من الخواء، يعد صاحب المصلحة الحقيقية لضمان رواج بضاعته النتنة وسمومه القاتلة، والإبقاء على الشباب أسرى مشروعه التدميري.