بقلم - مشاري الذايدي
كان «المزاج» العالمي -العرب جزءٌ من هذا المزاج- متّجهاً نحو «الخروج» من عالم «كورونا»، خصوصاً بعد الضخ الإعلامي العالمي الجبار عن جائحة كورونا (كوفيد – 19) ومئات آلاف المقابلات التلفزيونية، والإذاعية الحيَّة وعلى الأونلاين، لأطباء وخبراء، وأشباه الأطباء والخبراء، والساسة، وأشباه الساسة، والمثقفين... وأشباه المثقفين!
تزايدت الأخبار الجيدة مؤخراً عن تصنيع اللقاحات المضادة، بل صرنا أمام تنافس أميركي أوروبي صيني روسي على مَن لقاحه أفضل من لقاح الآخرين، إضافة لذلك صارت الحياة أكثر سلاسة وأقل تجهماً، بعد شهور عسيرة من إجراءات العزل ودمار الاقتصاد، خصوصاً اقتصاد الخدمات والسياحة والطيران، ومرحلة نفسية كئيبة غير مسبوقة في العصر الحديث، بسبب مزيج من القلق والإشاعات وقطع التواصل الطبيعي بين بني «الإنسان»، ومما يقال عن سبب اشتقاق اسم الإنسان إنه من الأنس والمؤانسة المركوزة في فطرة الإنسان.
في غمرة المزاج الأبيض بالخروج من هذا النفق الأسود، واتجاه العالم للانتصار على هذا العدو الخبيث، و«هدوء» الإعلام، نسبياً، عن العويل والويل والثبور وعظائم الأمور، خصوصاً مع الثقة بقدرات البشر الكبيرة على عبور الأزمات، بجهود العلماء المخلصين، وسعي الساسة الحكماء... في غمرة هذا المزاج، فجأة ومن دون سابق إنذار، إذ بحديث كثيف عن موجة أخرى من كورونا «المتحوّر» اندلعت من بريطانيا، وعودة لسياسات العزل ضد بريطانيا من الخارج، وداخلها ضد المقيمين والمواطنين في بريطانيا، والأمر شبيه بذلك إلى حدٍّ ما في ألمانيا.
ثارت أسئلة من نوع: هل اللقاح الجديد، الأميركي أو غيره، مفيد ضد هذه السلالة المتحورة كما يصفونها، وهل المتحوّرة هذه أصلاً مخيفة؟ هل اللقاح الجديد أخذ دورته الطبيعية في الاختبارات، أم أنَّ هناك مناخاً من الإشاعات المرجفة حول عدم نجاعة هذا اللقاح، ونتائجه الجانبية غير المضمونة؟ أين الكلام السياسي من الكلام العلمي في كل هذا الجدل؟!
والسؤال الكبير: هل يحتمل العالم عزلاً صارماً كالذي فُرض على الكوكب طيلة السنة التي توشك على الرحيل، سنة «كورونا»، سنة 2020؟
في 17 أبريل (نيسان) من 2020 كتبت هنا في هذه المساحة التالي:
«أظن أنه لا يمكن للدول في العالم، على الأقل في الأمدين القريب والمتوسط، تحمّل جائحة اقتصادية واجتماعية قريباً كما هو جارٍ الآن، لذلك فتوفير خطة طوارئ مقبلة ووضع كوادر طبية وبشرية وتخزين مواد وأجهزة طبية وغذائية وخدماتية، وتجهيز قدرات (سريعة) لبناء مشافٍ ميدانية، وتخرين أجهزة تنفس، وما شابهها، لما قد يحمله المستقبل، لا سمح الله، من مفاجآت سيئة، كل ذلك هو من عزائم الأمور... حتى يأذن الله بالنور والسرور».
لا ندري حتى الآن عن الخط العالمي المعتمد في التعامل مع هذا المتحوّر الجديد، لكن لا شك أنَّ العقل والتجربة يقتضيان انتهاج أسلوب آخر، أكثر نجاعة وأقل فجاعة، لصالح البشرية جمعاء، في صحتها الجسدية... والنفسية.