بقلم : طارق الشناوي
تعودنا أن نستسلم لآراء تكتسب مصداقيتها، عن طريق عبورها من جيل إلى جيل، ومن ناقد إلى آخر، فتمتلك قوة أدبية لا يسمح لأحد بالخروج عليها.عندما يُكتب فى أكثر من مطبوعة، أن طوق إنقاذ الدراما لن يأتى إلا فى عناقها الأبدى مع الأدب، ستجد أنك لا شعوريا توافقه الرأى، سيمر أمامك شريط من الأسماء اللامعة أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعى وغيرهم، ستجد أيضا فى رصيد السينما والتليفزيون ما يؤيد تماما هذا الافتراض، فمن ينسى (الثلاثية) و(بداية ونهاية) و(السمان والخريف) لمحفوظ، أو (فى بيتنا رجل) و(أنا حرة) و(الوسادة الخالية) لإحسان، أو (لا وقت للحب) و(النداهة) لإدريس، أو (أرض النفاق) و(نحن لا نزرع الشوك) للسباعى، وغيرها.
السؤال الذى لا نفكر كثيرا فى إجابته، لأنها محسومة ضمنا، هل نجحت تلك الأعمال الدرامية لهذا السبب تحديدا أم لأشياء أخرى؟.
إجابتى هى الأشياء الأخرى، وبما تملكه هذه الروايات، أولا من طبيعة درامية وليست روائية، فالسينما فى الماضى كانت تذهب للرواية، أى أن المعادل السينمائى يتغير وفقا لحالة الرواية، المفروض أن يحدث العكس، فعدد مما قدمته السينما لإحسان، كان أقرب إلى نقل مسطرة من دفتى الكتاب إلى الشريط السينمائى، باستثناءات قليلة مثل (الراقصة والسياسى).. ترى هنا وحيد حامد كاتب السيناريو وسمير سيف المخرج لم يتقيدا بحالة الرواية، ولكنهما أخذا الرواية إلى ملعبهما، يتجسد هذا المعنى أكثر فى رواية إبراهيم أصلان (مالك الحزين) التى أحالها سيناريو وإخراج داوود عبد السيد إلى (الكيت كات)، أصلان يكتب عملا أدبيا يفيض عمقا وشاعرية، ولكنه فى بنائه يتناقض مع السينما، داوود عبد السيد لم يكتف بأنه قد هضم النص، ولكنه تجاوز الهضم إلى الافتراس، ورأينا فى (الكيت كات) الشاشة تنضح بروح السينما.
يلعب أيضا اسم الأديب دورا لا يمكن إنكاره فى زيادة مساحة الجذب، نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس نجمان و(تريند) بلغة (السوشيال ميديا)، تصدر إحسان للأفيش بجوار النجوم يعنى أنه نجم شباك، ومن هذا الجيل الذى حقق تواجدا جماهيريا أحمد مراد، فهو يكتب بعين السينمائى وله جمهور من الشباب ينتظر جديده، ولهذا مثلا كتب (الفيل الأزرق) الجزء الثانى مباشرة للسينما، تقييم الحالة الأدبية له معيار مختلف تماما عن السينما. يوسف إدريس كثيرا ما أعلن غضبه على كل الروايات التى قدمتها له الشاشة، ولهذا كتب سيناريو وحوار روايته (حادثة شرف)، وحقق الفيلم الملتزم حرفيا برواية أديبنا الكبير، فشلا ذريعا فى دور العرض، بقدر ما صالح الأدب خاصم السينما.
عندما نُطلق على السينما (الفن السابع) فإننا نعنى أنها قد استوعبت تماما الفنون الستة التى سبقتها، وتفاعلت معا وأنجبت السينما، قوة السينما تكمن فى قدرتها على التحرر من كل ما سبقها من فنون وعلى رأسها الرواية. المأزق الذى يواجهنا فى العديد من مظاهر الحياة، أننا نتناقل الاجتهادات المرتبطة بمرحلة زمنية وبتجارب محددة، من إطارها النسبى إلى المطلق، إنه الكسل اللذيذ الذى تعودنا جميعا على الالتزام الحرفى به.
ولو خرجت عن الصف بأى قدر من الاختلاف، فأنت تجرح حقيقة مستقرة، وعليك أن تلقى وعدك، ويا ويلك يا سواد ليلك!!.