بقلم : عبد الرحمن الراشد
الحقيقة أنني فوجئت بـ«حماس» هذه المرة، التنظيم والحكم، اللغة والأسلوب، وفوق هذا بالمهارة السياسية. ربما هذه المناسبة الوحيدة التي أطري فيها «حماس»، وأنا، مثل كثيرين، ناقد دائم للتنظيم المتطرف، لما سببه من فوضى وأزمات وما أفسده من فرص، وما ورط فيه شعبه داخل قطاع غزة وخارجه.
في صفقة الهدنة مع إسرائيل أدهشنا في «حماس» أنها أكثر مهارة سياسية من غيرها. بثمن قليل ستكسب كثيرا. في حال نجح الاتفاق تكون قد نجت من عملية خنق، هدفها القضاء عليها، وتبرهن أنها أدهى من منافستها السلطة الفلسطينية، وحتى من حركة «فتح» العجوز التي تحتكر القرار الاستراتيجي الفلسطيني منذ السبعينات.
نحن في انتظار تفاصيل اتفاق «أبو خمس سنوات»، هدنة سلام وصلح بين الجانبين. الحق أنه اختراع «خبيث»، فهو سلام وليس بسلام دائم، اعتراف وليس باعتراف كامل. بموجبه تحصل «حماس» على اعتراف نادر من الإسرائيليين بأنهم شرعية فلسطينية وليسوا مجرد ملحق بحكومة رام الله، وتتعهد إسرائيل بعدم الاعتداء عليها أو على القطاع مقابل أن تتوقف «حماس» عن شن هجمات تحت الأرض أو من السماء، عبر شبكة الأنفاق وقطع الأسلاك والصواريخ والبالونات الحارقة. أيضاً «حماس» أخيراً ستملك مفاتيح معبرين؛ أبو كرم ورفح. وستتم زيادة مناطقها البحرية في البحر المتوسط 12 كيلومتراً أخرى، وسيسمح لها وللسكان بعبور البضائع والأفراد، وستفرج إسرائيل عن عدد من معتقلي الحركة في السجون الإسرائيلية. لقد خدعت «حماس» سلطة رام الله التي تركتها تراهن على الفشل وبالتالي عدم تخريب التفاوض. فالرئيس محمود عباس كان واثقا أن الصفقة بين «حماس» وإسرائيل مستحيلة فاختار التصعيد والتشدد في المواقف. صارت السلطة الفلسطينية هي «حماس»، و«حماس» هي السلطة. في رام الله كان مستشارو أبو مازن يقولون إنهم لن يجتمعوا، وعندما اجتمعوا قالوا من المستحيل أن يتفقوا، وهاهم يتفقون، ولا تزال رام الله تغط في قيلولة.
كانت «حماس» قبل أشهر قليلة تستعطف حكومة رام الله أن تدفع ثمن الكهرباء والهاتف ومرتبات الموظفين لكنها كانت ترفض إلا أن تتسلم الحكم كله في قطاع غزة مقابل دفع فواتيرها. «حماس» قررت بدلاً من أخذ ثمن الفواتير من سلطة رام الله التي تأخذها من إسرائيل، أن تذهب مباشرة إلى المنبع، إلى العدو الذي لا بد من صداقته بد. حصلت على أكثر من ثمن الكهرباء والهاتف تقريباً مقابل لا شيء، خمس سنوات بيات شتوي. وهي، أي «حماس»، أصلاً تعيش هذا الوضع بسبب تداعي نظام الأسد، وحصار نظام خامنئي. ولم يعد لها في هذا العالم الموحش من أصدقاء سوى محمد دحلان والحكومة المصرية، ومن خلال الاثنين استطاعت أن تحصل على أكثر مما كنا نتوقع. كانت التوقعات أن تلزم «حماس» بأن تأتي تحت قيادة السلطة الفلسطينية التي ستقدم مطالبها هي الأخرى من الحركة ومن إسرائيل ثمناً لذلك.
هناك من سيعيب على «حماس» قبولها توقيع هدنة الخمس سنوات وستتحداهم «حماس» أن يقترحوا بديلاً عن هذا الاتفاق في ظل التبدلات الخطيرة في الخريطة السياسية للمنطقة. والذين سيعتبرون الاتفاق محاولة لدق إسفين بين الفريقين الفلسطينيين فإنهم لا يستطيعون أن ينكروا أن العلاقة متصدعة أصلاً وما فعلته السلطة و«حماس» ببعضهما لا يحتاج إلى إسفين للقيام بالمهمة. والذين سيستنكرون على «حماس» قبولها بأن مصر ترعى الاتفاق لا يدركون أنه من المستحيل تحقيق أي اتفاق من دون مصر وبالتالي هذا اتفاق الضرورة.
لماذا وضعت صلاحية الاتفاق خمس سنوات؟ لا نعرف بعد كيف تم حساب الضمانات، وهل المدة تعبر عن اختبار نيات والانتقال إلى مرحلة أخرى أهم لاحقاً، ربما. فإسرائيل لا تثق بـ«حماس» التي دائما تضع اللوم في إطلاق الصواريخ على جماعات مسلحة في غزة خارج سلطتها، ولا «حماس» تثق بوعود إسرائيل لأنها مثلاً قامت باعتقال الذين أفرجت عنهم في صفقة شاليط الشهيرة. خمس سنوات هي فرصة جديدة للطرفين ربما تمهد لتغييرات فلسطينية مستقبلية مهمة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر :جريدة الشرق الأوسط