بقلم: عبد الرحمن الراشد
للأسف؛ إن العمل الصحيح الوحيد الذي قامت به الولايات المتحدة في سوريا طوال خمس سنوات، هو غارة خاطئة. فقد قصف طيرانها لأول مرة مواقع عسكرية لقوات نظام الأسد في محيط مطار دير الزور، استهدف كتيبتي المدفعية والصواريخ. واشنطن اعترفت واعتذرت، مع أن القوات الروسية قصفت مرات عديدة مواقع للمعارضة السورية (الجيش الحر)، إلا أن موسكو لم تعتذر ولم تبرر.
ولو أن القوات الأميركية كررت قصف قوات الأسد، وميليشياتها المرافقة لها، عن خطأ أو عمد، لوجدت رغبة
في المفاوضات للقبول بحل سلمي ينهي هذه المأساة. إنما بسبب غياب التوازن في وجه روسيا وإيران الداعمتين لنظام الأسد، تستمر الحرب والمأساة والمخاطر، وبسبب انعدام التوازن ولدت «داعش». وبسببه يرفض النظام السوري أي حل لا يعيد له السلطة على كامل البلاد. وهذه هي المرة الأولى التي تتعرض لها القوات السورية للقصف، بعد أن تمتعت على مدى سنوات القتال بهيمنة جوية مطلقة، أعطى الأسد شعورا بأن نظامه آمن مهما فقد من قوات وخسر معارك، لذا يرفض القبول بحل سياسي معقول ينهي الأزمة.
هل كان القصف متعمدا كما تردد وسائل إعلام الأسد؟ بالطبع لا، لأن الأميركيين كانوا يستطيعون تبرير القصف بلغة مختلفة، وتحويل اللوم على قوات النظام أو على شريكهم الروس، إلا أن واشنطن اعترفت بأنه خطأ ووقع نتيجة غياب التنسيق. وقد كان واضحا، منذ إعلان موسكو عن مشاركتها في الحرب في سوريا، الخلاف الذي نسمع عنه مقصور على مسؤولية إدارة العمليات العسكرية هناك. والجميع، الأميركيون والروس حرص واشنطن على تفادي الصدام بين قوات التحالف الذي تقوده والقوات الحليفة لنظام الأسد، وكل والأتراك، يتفقون داخل الأراضي السورية على عدو واحد هو «داعش». ويتمّيز الروس بوجود عسكري كبير ثابت على الأرض ضمن مساندتهم للقوات السورية والإيرانية لمقاتلة المعارضة السورية، التي لا تزال تدهش الجميع بقدرتها على الصمود. المعارضة السورية المسلحة أفشلت وعود الأسد والإيرانيين والروس، الذين تنبأوا بنهاية للحرب بعد اتفاق الدول الثلاث على شن الحرب بشكل جماعي، لم ينجحوا رغم نجاحهم في محاصرة «الجيش الحر» في مناطق عديدة، وقطع معظم إمداداته. إلى اليوم لم يستطع العدوان الثلاثي، قوات الأسد وروسيا وإيران، من الاستيلاء على حلب التي كانت أول وعد قطعوه منذ نحو عام.
وقد يدفع قصف الأميركيين لقوات الأسد الروس إلى التنسيق معهم من أجل تفادي تكرار الأخطاء القاتلة، وقد يكون العكس هو الصحيح؛ أن يستخدمه الروس حجة لتحجيم الحضور العسكري الأميركي في الأجواء السورية التي لطالما اعتبرتها موسكو خرقا لسيادة الدولة السورية.
لم يبق من الوقت الكثير في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حتى يمكن أن يبنى على المفاوضات الأخيرة بين موسكو وواشنطن أفكار جديدة للحل السياسي، ولا يمكن أن نتصور أن القصف الخاطئ سيحقق تغييرا في إدارة الحرب للقوتين العظميين في سماء وأرض سوريا.
وما قيل عن «اتفاق سري» بين وزيري الخارجية، وفق تصريحات منسوبة لوزير الخارجية الروسي الذي يطالب بنشرها علانية، أيضا لا تبدو أكثر من كونها نقاشات لم تحقق شيئا على الأرض.