بقلم : عبد الرحمن راشد
في تسعين عاما، هي عمر تنظيم الإخوان المسلمين، لم يبلغ من مكانة ونفوذ وخطورة مثلما بلغه بعد «الربيع المصري» في عام 2011، لكنه الآن يخسر ما تبقى له من جولات، وها هي آخر قلاعه تسقط. تركيا بدأت فعليا التخلص منهم في طريقها للتصالح مع الحكومة المصرية، التي اشترطت على حكومة أنقرة أن تنهي دعمها وعلاقتها مع التنظيم الذي وضع إسقاط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي هدفًا صريحا له.
بوقف أنقرة دعمها للإخوان المسلمين المصريين، عمليًا انتهى مشروعهم للحكم، وقد لا يصلون إليه ربما إلى تسعين سنة أخرى، إلا في ظروف زمنية استثنائية. في لحظة نادرة تاريخيا جلس الإخوان على كرسي حكم أكبر دولة عربية من يونيو (حزيران) 2012، ودام حكمهم مصر عامًا كاملاً، لكنهم أساءوا التعامل مع الوضع الحساس والملتهب داخل مصر وفي المنطقة. وبدلاً من التعاون مع الفرقاء الذين شاركوا في الثورة، وبدلاً من طمأنة القوى المؤثرة، مثل الجيش وكذلك حكومات المنطقة التي تتوجس منهم، دخلوا في خصومات مع الأصدقاء قبل الأعداء الذين تكالبوا عليهم، فضيعوا فرصتهم الوحيدة في تاريخهم الطويل المليء بالمحاولات الفاشلة.
كيف حكمنا على نهاية مشروع الإخوان المسلمين المصريين للحكم، رغم أنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب شرعية مسلوبة، ويدعون أن لهم شعبية كبيرة؟
الواقع هو الذي يقول: إنهم انتهوا كمشروع سياسي منذ اليوم الذي جرى فيه اعتقال رئيسهم محمد مرسي، وقيادات الإخوان الأخرى، وإعلان حكم انتقالي. الإخوان لم يستوعبوا الدرس القاسي، فتولد لديهم وهم بأن التدخل الخارجي وارد وسيعيدهم بالقوة، وساروا في ركب الخلافات الإقليمية، واعتمدوا على تصريحات القوى الخارجية، دون أن يتعظوا من التاريخ وحقائق الواقع المعاش. لم ينفع تأييدهم للعنف والإرهاب في سيناء، الذي فشل حتى في هز النظام في القاهرة. لم تحقق حملاتهم الإعلامية التحريضية في حشد ما يكفي من الشعب للتغيير. وفشلت حملات حلفائهم التي ساندتهم لإقناع حكومات أوروبا والولايات المتحدة بفرض عقوبات على النظام المصري، ولم تدم العقوبات طويلا حيث أعادت الحكومة الأميركية معوناتها وباشرت مبيعاتها. وبعد أن باعدت الحكومة القطرية بينها وبين قياداتهم، أخيرا، ها هي حكومة الطيب رجب إردوغان التركية تبدأ إجراءات الطلاق.
والإخوان ضيوف ثقلاء، يعتبرون أنفسهم أصحاب حق من دون مراعاة لظروف الدول المضيفة، بعد أن حلوا في تركيا لم يكتفوا بالدعم الكبير لتأسيس محطات تلفزيون، ومواقع إلكترونية، وإقامة مؤتمرات، وغيرها من النشاطات، بل مارسوا حضورهم على وسائل الإعلام المحلية للدول المتعاطفة، فجأة صرنا نراهم بكثافة على محطات الدول المضيفة ووكالات أنبائهم التي أصبحت طرفا مباشرا في الحربوهذه تعكس سمعة التنظيم المؤدلج، وهو من تسبب في خلق هذه الصورة المخيفة عنه، أنه يسعى للهيمنة على مفاصل التعليم، ووسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي، في دول كانت تتسامح مع وجوده، مثل الدول الخليجية.
وقد يرى البعض أننا نتعجل إعلان وفاة تنظيم الإخوان، لأن الأتراك لم يذيعوه رسميا بعد، إنما هناك ما يكفي من تصريحات رسمية وأخرى كلها تؤكد على بدء تركيا التضييق على قيادات التنظيم ونشاطاته داخل البلاد. المسؤولون الأتراك، مثل السيد محمد زاهد غول المتخصص في ملف الجماعات الإسلامية، أقر بوجود التوجه، لكنه حاول أن يخفف من وطأته قائلا: إن الحكومة لن تسلم أحدًا من الإخوان للحكومة المصرية. طبعًا، لا أحد يتوقع أن تصر القاهرة على اعتقالهم، بل إبعادهم أو منعهم من النشاط المعادي لها. الاتفاق غالبًا سينهي وجودهم السياسي والإعلامي، والمرجح أن يتم إبعاد بعضهم من تركيا، كما سبق أن أبعدوا من قطر.وعند تفعيل التفاهم المصري التركي يكون الإخوان قد خسروا آخر محطاتهم الرئيسية، ولن يتبقى لهم سوى اللجوء إلى أوروبا التي سيذوبون فيها. والملجأ الأنسب لهم هو إيران، على اعتبار أنهم حلفاء لها منذ وصول الخميني للحكم أواخر السبعينات، كما أن فرعهم في غزة، حركة حماس الإخوانية، لا يزال على علاقة جيدة بالنظام الإيراني، لكن إن فعلوا فستكون الخطوة التي ستقضي عليهم.<br للحديث صلة.