بقلم : عبد الرحمن الراشد
وفرت إيران على القاذفات الروسية مسافة طيران قدرها ألف كيلومتر تقريًبا، عندما منحت الروس أول قاعدة عسكرية في تاريخ البلاد، لكن معناها السياسي في تطور العلاقات بين البلدين أكبر وأهم، والذي يوصف بالحدث التاريخي. وألف كيلومتر ليست بالمسافة الهائلة حتى تعزز القاعدة قدرات القوات الروسية وترفع فعاليتها، بخلاف الأميركيين عندما يستخدمون قواعدهم في قطر وتركيا لتنفيذ عملياتهم في العراق وسوريا، حيث يقلصون المسافة بفارق هائل، نحو ستة آلاف كيلومتر.
الدهشة والصدمة في عواصم غربية وعربية، بعد إعلان الروس عن أول قاعدة عسكرية لهم على التراب الإيراني، تعبران عن سوء التقدير لطبيعة العلاقة بين طهران وموسكو وعمقها ونياتها المستقبلية. لخمس سنوات والحكومة الأميركية تقلل من خطورة التغلغل الإيراني في العراق وسوريا واليمن والبحرين، ولم تكترث أبدا بالتأييد الروسي المتزايد لطهران، والأسوأ من هذا كله أنها صدقت خرافة أن نظام آية الله في طهران بدل جلده وصار مستعًدا للتحول إلى دولة مدنية مسالمة وصديقة للغرب، فوّقعت معها اتفاقيات تخدم في معظمها طهران، وتعزز تحالفها الاقتصادي والعسكري مع الكرملين.
هل يفترض أن نغضب لتأسيس أول قاعدة عسكرية روسية في إيران؟
في رأيي، لا ينفع الغضب، فالتعاون الروسي الإيراني مرت عليه فترة طويلة، ونتيجته في سوريا تشريد 12 مليون إنسان.. رقم مريع يعبر عن نفسه، وستعبر تداعياته بنفسها على أمن الشرق الأوسط وأوروبا والعالم. الحلف الإيراني الروسي موجود منذ عقد ونصف بشكل واضح، في بناء المفاعلات النووية، والعقود العسكرية، والمقايضة التجارية في فترة العقوبات الدولية على إيران.
بناء قاعدة روسية في إيران، وتحالف البلدين العسكري في الحروب يعيد المنطقة إلى زمن الحرب الباردة وتقسيماتها، ورغم ما ستعنيه من توسيع دائرة التوتر وزيادة العسكرة في المنطقة فإنها قد تقنع الغرب بمراجعة حساباته حيال إيران وأزمات المنطقة. حّذر عدد من السياسيين الأميركيين من أن ثقة الإدارة في نظام طهران ومنحه كل هذه التسهيلات ورفع القيود الاقتصادية كلها خطوات متعجلة مبنية على حسن نية في غير محلها. كما نبه الخليجيون، وكذلك الإسرائيليون، الإدارة الأميركية من الإفراط في تصديق وعود القيادة في طهران بالانفتاح ونهاية العقلية الثورية. لم يتغير في إيران شيء حقيقي حتى نعتقد تغيرا في النيات والسياسة؛ المرشد الأعلى هو المرشد الأعلى، والقيادة السياسية العليا هي نفسها مع تبديل للوجوه، والقيادات العسكرية في الجيش والحرس الثوري والباسيج هي نفسها، وخطب الجمعة التهديدية هي نفسها. الذي تغير أن إيران زادت من مغامراتها العسكرية في الخارج، وإنفاقها على الحروب.
ورغم الغضب الذي سببه رفع درجة التعاون الروسي الإيراني إلى مرتبة التحالف فإنني أرى فيه شيئا إيجابًيا واحًدا على الأقل، إنه يفضح حجم العلاقة وعمقها بين قم والكرملين. لا يستطيع أن يتهمنا الرفاق في واشنطن بالبارانويا، ولا بأننا نغلق على أنفسنا الصندوق، ونرفض التعاون وأننا أسرى مفاهيم قديمة باتت من زمن الحرب الباردة. حرب اليمن، وحرب سوريا، ومواجهات العراق، كلها معارك إيرانية تريد تغيير خريطة المنطقة، حيث إن أسراب السوخوي الروسية تساند قوات الحرس الثوري البرية.
التحالف الروسي الجديد هو امتداد للعلاقة السابقة المستمرة، حيث يشعر الروس أنهم يستخدمون الإيرانيين لتوسيع نفوذهم، ومحاصرة المناطق المتحالفة تقليدًيا مع الغرب. أما ما أغراض ونهاية اللعبة؟ قد تكون أكبر مما نراه اليوم.