عبد الرحمن الراشد
لا أتذكر متى كانت آخر مرة تصدرت سلطنة عمان الأخبار، لم تكن أبدا في عناوين الأخبار الرئيسة. وهذه ميزة في منطقتنا، حيث لا يحتل عناوينها عادة إلا الأشرار أو الضحايا. إنما تصريح عُماني واحد ضد انتقال مجلس التعاون الخليجي إلى حالة الاتحاد لفت انتباه الكثيرين.. ما عداه القليل قيل أو نقل عن مسقط.
في مجلس التعاون، اعتدنا حالتين متناقضتين؛ صاخبة جدا تمثلها قطر، وأخرى هادئة جدا هي عُمان، وقد استوعبهما المجلس، على الرغم من التناقضات الحادة. سلطنة عمان عُرفت بأنها أكثر الأعضاء انسجاما، بل أكثرهم مثالية من حيث العلاقة المستمرة مع الجميع، تقريبا.
أما بالنسبة للاتحاد الخليجي المقترح، فلا أعتقد أنه يستوجب الاحتجاج بمثل ما صرح به الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، في البحرين، قبل أيام. المشروع مطروح منذ نحو عامين، ومن حق أي دولة عضو أن تقبله أو ترفضه، أو على الأقل أن تتمناه. ربما ملاحظاتي البسيطة هي حول مبررات الوزير الذي قال، معللا رفضه، إنه ليس هناك ما يدعو للاستعجال نحو الاتحاد. وهذا صحيح، لولا أن المجلس بلغ من العمر عتيا؛ 33 عاما! وأن الاتحاد المقترح، الذي استكثره، هو أقل حتى من الوحدة التي وردت في ديباجة تأسيس المجلس، قبل ثلاثة عقود. والصيغة المقترحة هي نموذج الاتحاد الأوروبي، الذي لا يلزم أي دولة بما لا تريده.
وفي تصوري، فإن سلطنة عمان ربما أكثر الدول ملاءمة للاتحاد من غيرها، لمعرفتنا بشخصيتها الهادئة، ونجاحها في البناء الداخلي اقتصاديا وتعليميا وإنسانيا، كدولة كبيرة لا تخشى من الذوبان، هي الثانية مساحة بين الدول الست. ولا أبالغ في القول إنها أفضلهم في التنمية الداخلية، على الرغم من ضعف مواردها المالية. ومع أنها تبيع كمية قليلة من النفط (هي المصدر رقم 27 في العالم، وبمداخيل 36 مليار دولار)، وضعت لنفسها ميزانية إنفاق نحو 28 مليار دولار فقط. النتيجة أكثر فعالية ونجاحا. ولهذا حظ السلطنة مكانة أكبر في ظل توسيع التعاون الاقتصادي خليجيا. ومن دون توسيع التعاون، فإن المستقبل صعب على الجميع. عُمان، مثل بقية دول المجلس، تواجه تحديات صعبة، اقتصادها يقوم على النفط، وأسعار النفط، كما نرى ونسمع، مهددة بالاكتشافات وتقنيات الإنتاج الجديدة. أيضا، عُمان، مثل بقية شقيقاتها الخليجية، فيها نصف السكان تحت سن الـ25 عاما، الذي سيعني الكثير من المصاعب للحكومات. ومعظمهم مسلّح بأفضل وسائل تقنية التواصل، ففي عمان ثلاثة ملايين نسمة وخمسة ملايين هاتف جوال. وفي سوق العمالة نحو 60 في المائة أجانب، أي أن الصورة مشابهة لجاراتها؛ طلاب الوظائف في ازدياد مخيف، وتوقعاتهم المعيشية عالية، والمنافسة مع الغير ليست سهلة.
سياسيا، عُرفت السلطنة بمنهج حيادي جنبها كثيرا من المشكلات، وعندما تبين، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أنها كانت ساعي البريد بين إيران والولايات المتحدة في الملف النووي، ظن البعض أنه دور جديد لعمان، في حين لم يكن الأول، بل سبق للسلطنة في السنوات الماضية أن نقلت الرسائل بين واشنطن وطهران، مثل سويسرا، بحكم وجود سفارة لها في طهران، إنما لم تكن مسقط وسيطا، ولا لها وساطة، بل اختيرت كطرف ناقل محايد. ولا يوجد للإيرانيين نشاط في عمان، وليست على رأس الدول التي تبادلها التجارة، وفي الأخير العمانيون أدرى بما يخدم مصالحهم.