عبد الرحمن الراشد
نموذج النظام ليس هو المهم، سواء أكان جمهوريا أم ملكيا، مركزيا أم فيدراليا أم كونفدراليا، اشتراكيا أم رأسماليا، الأهم من ذلك قدرة النظام على تحقيق العدالة، ورضى مواطنيه عليه. اليمن الشمالي كان إلى عام 1962 نظام إمامة، ثم بعد انقلاب السلال صار جمهورية. وكان اليمن الجنوبي محمية بريطانية إلى 1967 عندما قامت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وصارت نظاما ماركسيا لينينيا. وعانى اليمنيون من تاريخ طويل من النزاع بين الجمهوريتين الشقيقتين. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتصفية تركة الحرب الباردة تلقف اليمن الشمالي الفرصة، وضم الجنوب في وحدة لم تدم احتفالاتها طويلا، ونشب نزاع دموي بين شركاء الوحدة انتهت بهزيمة القيادة الجنوبية. وتاريخ التنازع طويل ولهذا لن يكون سهلا على الشعب اليمني أن يتجاوز تركة من الخلافات القبلية والمناطقية والشخصية إلا بالاعتراف بوجودها أولا، واحتضان فكرة الدولة الحديثة التي شاركت الأمم المتحدة في رسمها عبر مندوبها جمال بنعمر.
مشروع اليمن الجديد، فيدرالي من ستة أقاليم، مع جعل صنعاء عاصمة مستقلة إداريا. ولا بد أن خبراء الشأن اليمني وصلوا إلى هذه الخريطة المقترحة بعد دراسة خيارات كثيرة معقدة، بين نظام الإقليمين، الجنوبي والشمالي الذي كان سيعني كونفدرالية بلا خصائص الدولة الواحدة. ولو استمع الوسطاء لكل المطالب فإنه لا يوجد رقم يجمع عليه اليمنيون بعدد الأقاليم. ففي آخر حكم الإنجليز للجنوب أيدوا إقامة «اتحاد إمارات الجنوب العربي» لتضم 24 مشيخة لكن فقط أربع منها وافقت، وحتى هذه رفضت ضم عدن، وهكذا. وبالتالي قد يتقسم اليمن إلى مائة إقليم ولا يرضي الجميع، وكان لا بد من نموذج عملي يمكن تطويره أو تعديله وفق دستور يسمح بالمراجعة المستقبلية لحدود الأقاليم وصلاحياتها.
مشكلة اليمن اليوم إقامة دولة حقيقية بمؤسسات مدنية حديثة تنقذ اليمن من أربعين عاما من التخلف الإداري، لبلد كثيف السكان وقليل الموارد. والاقتتال الطارئ ليس صدفة بل هدفه تخريب مشروع الانتقال التاريخي وبناء الدولة اليمنية الحديثة، ومن خلفه أبرزهم جماعة النظام السابق التي تمول عمليات الاقتتال والتحريض على النظام المؤقت الحالي، وتريد إفشال المشروع برمته من أجل العودة للسلطة التي اقتلعت منها. ومن المفيد أن نذكر هذه القوى القديمة أنها تغامر بكل ما منحته من عفو، وحصانة، وأكثر من سبعة عشر مليار دولار نهبتها مخبأة في حسابات سرية غربية. صبر اليمنيين سينفد، والقوى الكبرى أصبحت مقتنعة تماما أن المشكلة هي في القيادات السابقة ومستعدة للتحرك ضدها دوليا. نتمنى على المخربين أن يفكروا طويلا قبل الاستمرار في دعم الرافضين، وتحريض الساكتين، وتمويل القبائل بعضها ضد بعض. إن الشعب اليمني يستحق أن يمنح فرصته في بناء دولته، والتعايش بسلام بين مكونات هذا البلد العريق، الذي أثبت أهله أنهم أكثر حضارية من غيرهم، فكانت انتفاضتهم وثورتهم سلمية، وانتقال الحكم سلميا، وكانوا فوق الثأر وضد الانتقام، ولا تزال ثورة اليمن أفضل الثورات العربية رغم محاولات داخلية وخارجية لإفشالها. ونعتقد أن واجب مجلس التعاون أكبر لاحقا، فهو الذي رعى مطالب الشعب اليمني بالتغيير، وكان وسيطا نزيها، وشارك في رعاية الانتقال سياسيا واقتصاديا خلال العامين الماضيين. نتطلع أن يدعم المجلس مشروع تنمية اليمن وتأهيله، وربطه بالاقتصاد الخليجي، فاستقرار اليمن ضمانة لاستقرار الخليج، وهو في نهاية المطاف سيصبح عضوا في مجلس التعاون.