عبد الرحمن الراشد
لو سألنا اليوم الرئيس السوري بشار الأسد، ماذا لو عاد به الزمن إلى الوراء، هل كان سيرتكب جريمة اغتيال رفيق الحريري، أو يشارك فيها؟
في مثل هذه الأيام، وقبل عشر سنوات، قُتل الحريري. كانت جريمة سياسية هزت المنطقة، وعلامة تاريخية فارقة. قلبت المعادلات، وسالت بعدها، وبسببها، أنهار من الدماء، ولا تزال تصبغ تراب لبنان وسوريا.
لا أدري ما رأي الرئيس السوري، لكن صولجانه وحكمه تغيرا كثيرا، فهل كان اغتيال الحريري مجرد نزوة شاب صعد على كرسي الحكم، يرفض أن يسمع كلمة «لا» من أحد، أم أنه مشروع إيراني سوري مع حزب الله، قرروا فيه التخلص من الزعامات المنافسة ولجم الخصوم؟
لا أستطيع أن أجزم إن كانت نزوة أم مشروع هيمنة، لولا أن سلسلة الاغتيالات التي تلت قتل الحريري توحي بأن الأسد، مع حزب الله، كانا يعملان ضمن مشروع لتصفية المعسكر الآخر، وربما حكم لبنان. إلا أنه في المسألة اللبنانية، تبقى الفئوية والطائفية والقوى المتصارعة، غير قابلة للترويض التام، ومتقلبة الولاءات والتحالفات. ولم تزد التصفيات الدموية، للقيادات السياسية والأمنية والإعلامية، اللبنانيين، إلا تمسكا بمواقفهم، ودفعتهم للمزيد من التخندق، وخاصة ما عرف لاحقا بمعسكر 14 آذار.
أعود إلى السؤال، عنوان الزاوية، هل كان سيفعلها الأسد لو قرأ المستقبل؟
طبعا لا ندري دواخله، إنما ما سمعناه في مقابلته الأخيرة مع الـ«بي بي سي»، يدل على أنه عاجز عن نطق كلمتين: أعترف وآسف. رغم قتل ربع مليون سوري وتشريد تسعة ملايين، رفض أن يعترف بأي من أخطائه حتى في التعامل مع بداية الثورة. وأصر على ترديد أنه مسؤول عن حماية شعبه ضد الإرهابيين! فإذا كان لسانه يعجز بعد عشر سنين على اغتيال الحريري أن يعترف بخطأ معالجته للخلافات اللبنانية، ويرفض الاعتراف بأي خطأ في إدارته لمواجهة الانتفاضة السورية، رغم مرور أربع سنوات عليها، فمن الطبيعي أن نقول إنه لم يتغير أبدا.
جريمة اغتياله الحريري هي أبرز محطات حياة الرئيس السوري، هي التي وضعته في الصندوق وأغلقته عليه منذ ذلك اليوم المظلم. فقد أجبره مجلس الأمن على سحب قواته من لبنان، وعاش أربع سنوات متهما ومحاصرا سياسيا، قاطعته حكومات كانت صديقة له مثل الخليجية والأوروبية. وصار معظم نشاط وزارة خارجيته موجها لإنكار التهم. وفي مطلع العام الخامس (2009) فرجت أزمته قليلا في قمة الكويت الاقتصادية بعد إعلان المصالحة، إلا أن الاغتيالات استمرت، لتوحي لنا أن الرئيس لم يتغير، وهو يعتقد أنه انتصر في القمة، ولم ينظر إليها كمصالحة. هذه النظرة الاستعلائية، والاستهانة بالأرواح والقيم، والاستخفاف بالقوى الإقليمية والدولية، قادته لاحقا إلى ما هو أعظم، عندما ثارت درعا ولحقت بها بقية المدن السورية التي انتفضت ضده، وها هو انتهى محاصرا في دمشق. اليوم الأسد مجرد رئيس شكلي، يوكل أمنه ومعاركه لقيادات إيرانية وميليشيات عراقية وحزب الله. من كان يتصور أن اغتيال رجل مسالم، مثل الحريري، بلا ميليشيا تحميه، ولا عشيرة تدافع عنه، سيؤدي إلى كل هذه الحروب والمعاناة؟