عبد الرحمن الراشد
هذا ما يحاول أن يوحي به سيل كبير من الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، التي نبشت من ماضي رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي فيديوهات وتصريحات وصورا، تقول إنها تعبر عن فكره وتوجهاته، وتدعو للوقوف ضده! وقد طالعت العديد منها، ولا أستطيع أن أجزم بشيء، ولو افترضنا أنها صحيحة، إلا بالقول إن الرجل يستحق أن يعطى فرصته، فهو خيار ممثلي الشعب العراقي وقد سانده برلمانيون وسياسيون سنة؛ عرب وأكراد.
الذي نعرفه من تجاربنا وتعاملاتنا مع «تويتر» و«فيسبوك»، وحتى المواقع الإلكترونية الشاردة، فقدان أخبارها للمصداقية، وكثرة التزوير المتعمد، وحتى الصحيح من معلوماتها يكون مبتسرا، أو مجتزأ، أو يبهر بمقدمات وحواش تفقد القارئ إطلاق أحكام موضوعية.
كلنا نأمل أن يكون رئيس الوزراء الجديد زعيما وطنيا لكل العراقيين، وأن يبني دولة مزدهرة، تضع العراق في مصاف الدول المتقدمة، وتعيد الأمل والثقة في النظام السياسي. والعبادي لا يعرف عنه موقف سياسي متطرف بذاته، إلا إذا حسبنا أوقات الاضطرابات، وكذلك فترات الجدل الانتخابي. وهو يخلف نوري المالكي، الذي - بكل أسف - قزّم نفسه ومنصبه إلى ما انتهى عليه. تحول من زعيم لكل العراقيين إلى مجرد لاهث وراء كل السلطات، حتى انتهى إلى نموذج أسوأ من الديكتاتور صدام حسين نفسه! والعلة ليست في المالكي، وإن كان حقا سيئا، بل في النظام السياسي الذي سمح له أن يستولي على كل الصلاحيات السياسية والتشريعية والعسكرية، بعد أن كان رئيس وزراء جاء بائتلاف مع أحزاب أخرى. وقد تعلم الذين كانوا يناصرون المالكي في البداية لأسباب طائفية أو حزبية أنه، وككل ديكتاتور، لن يشبع حتى يستولي على كل شيء. أخيرا، القيادات الشيعية تشتكي من ممارساته، واستخدامه للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، لابتزازها وتهديدها، ثم تجرأ لاحقا على ملاحقة حلفائه، وزملائه في الحزب نفسه! أخيرا، كرهه الجميع وطالبوا بإسقاطه رغم أنه حصل بالاستغلال والتزوير على عدد يؤهله لإعادة انتخابه، من برلمانيين سنة وشيعة.
العبادي جاء بشرط واحد، ألا يكون مالكي آخر. هذا ما أجمعت عليه القوى المناطقية والعشائرية والحزبية والطائفية. وهذا ما نرجوه. جاء على أكتاف قوى كانت تحارب بعضها البعض في الماضي، والتقت أخيرا على فكرة الدولة العراقية لجميع العراقيين، ورؤساء يمثلون نظاما سياسيا للجميع. هذا لصالح الشيعة قبل السنة، ومن صالح العرب قبل الأكراد والتركمان. يستطيع رئيس الوزراء، لو أراد، أن يختصر وظيفته على خدمة أبناء طائفته، ويستطيع أن يختصر العراق على محافظاتهم، ويستطيع أن يعيد كتابة الدستور بما يخدم فقط فئة واحدة. حينها لن يبقى العراق الذي نعرفه. بل دولة أصغر، وأضعف، في بحر من الدول الإقليمية أكبر وأقوى. هناك الكثير من التفاؤل بوصول حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، لأن خروج المالكي في حد ذاته انتصار للعملية السياسية والنظام العراقي الجديد. أنا واثق أنه لو استطاع المالكي فرض نفسه رئيسا للوزراء للمرة الثالثة، كما جاهد من أجل ذلك حتى آخر لحظة، فإنه كان سينتهي معلقا من رقبته مشنوقا في إحدى ساحات بغداد بعد أربع سنوات. ستكون نهايته نهاية الديكتاتوريين من قبله. لقد طغى بشكل مروع، وشاهد العالم كيف يستخدم قواته الخاصة وتكليف أولاده بإدارتها، وكل ما امتدت يده إليه، من أجل فرض نفسه، ووقف عملية انتخاب العبادي.
نحن نتمنى أن يستطيع العراقيون التوحد تحت إدارة العبادي، وأن يبدأ العراق مرحلة جديدة، يدشنها رئيس الوزراء الجديد بجملة خطوات تعيد الثقة للنظام والمنصب وكل مكونات البلاد.