عبد الباري عطوان
بينما كنت في صدد كتابة مقالة تتناول اشتعال فتيل الحرب على القواعد الأمريكيّة في العِراق انتقامًا لاغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اتّصل بي صديق يُصنَّف في خانة كِبار المُحامين الدوليين قائلًا إنّه لا يستبعد نظريّة المُؤامرة في انتِشار فيروس الكورونا عالميًّا، وبالتّحديد في الصين والدول الأوروبيّة الكُبرى إلى جانب إيران المُدرجة جميعًا في خانة ضحايا العُقوبات الاقتصاديّة التي فرضها الرئيس الحالي دونالد ترامب لإضعاف إقتصاديّاتها لمصلحة تقوية الاقتِصاد الأمريكي.
هذا المحامي الصديق الذي لا يُفضِّل الظّهور تحت الأضواء، قال لي إنّ الكثير من الوقائع التي حدثت في الماضي، وكانت موضع شُكوكنا، خاصّةً في منطقة الشرق الأوسط، تبيّن لاحقًا أنّها كانت نتيجة خطط تآمريّة مدروسة، وضرب مثلين: الأول أسلحة الدمار الشامل في العِراق، والثاني تصريحات أدلى بها قائد قوات التحالف الغربي في حرب البوسنة وقال فيها إنّ مصادر في هذا التّحالف الذي تزعّمته الولايات المتحدة قالت له إنّ هُناك خطة لتدمير 4 دول (ثلاث عربيّة والرابعة إيران)، وعندما سأل لماذا قيل له أنّك ستعرف الأسباب لاحقًا، وهذا الكشف مُوثَّق بالصّوت والصّورة على قول صاحبنا.
***
وزير الخارجيّة الفرنسي الأسبَق رولان دوما، ذكر في مقابلة تلفزيونيّة أنّه تمّ الاتّصال به قبل الحرب في سورية بعامين، من جهات متنفّذة في الحُكومة البريطانيّة طلبت الاستعانة به، وخُبراته، في الملف السوري، وعندما استفسر عن السبب جاءت الإجابة بأنّ هُناك “خطّة ما” للتّغيير في سورية عسكريًّا، فرفض هذا العرض غير شاكر، والأمثلة عديدة.
نعود إلى فيروس “الكورونا” والحرب الصينية الأمريكيّة الكلاميّة المتأجّجة هذه الأيّام وبدأت باتّهام المتحدّث باسم الخارجيّة الصينيّة لوكالة المخابرات المركزيّة “سي أي ايه” بنشر الفيروس القاتل في مدينة ووهان عبر جنود شاركوا في دورة عسكريّة عالميّة فيها في تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، وبلغت ذروتها في تسمية الرئيس الأمريكي ترامب للفيروس بأنّه “الفيروس الصيني”، وتبنّي وزير خارجيّته مايك بومبيو التّوصيف نفسه أكثر من مرة لإلصاق التّهمة بالخصم الصيني، وهي تسمية تعكِس قمّة العنصريّة والهُبوط الأخلاقي.
الفصل الأحدث في هذه الحرب تمثّل في مُطالبة خُبراء صينيين البيت الأبيض والكونغرس بتقديم توضيحات حول أسباب أغلاق مُختبر “فورت ويتريك” لأبحاث الجراثيم والفيروسات التّابع للقيادة الطبيّة للجيش الأمريكي والواقع في ولاية ميريلاند في أواخِر العام الماضي.
موقع “غلوبال تايمز” الصيني نقل عن خُبراء صينيين استعانتهم بمقال نشَرته صحيفة “نيويورك تايمز” في الخامس من آب (أغسطس) الماضي، تحت عُنوان وقف أبحاث الجراثيم المُميتة في مختبر تابع للجيش الأمريكي بسبب مخاوف تتعلّق بالسّلامة” ومن بين الفيروسات التي كان يُجري الخُبراء في المُختبر تجارب عليها فيروس آبولا وسار، والأخير يُعتَبر الأب لكُل سُلالة فيروس كورونا، وبرّر متحدّث باسم المعهد حينها الإغلاق وعدم نشر أيّ معلومات عن أسبابه “لضرورات تتعلّق بالأمن القوميّ الأمريكيّ”، وكيف ان 38 الفا قتلوا بسبب وجود فيروس غامض، وعتمت الحكومة الامريكية على هذا الامر، وادعت ان هؤلاء كانوا ضحية مرض الانفلونزا.
الصينيون يأكلون الخفافيش والكلاب والقطط والفئران مُنذ آلاف السنين، مثلما نأكل نحن العرب “الضب” و”الجراد” و”البعران” وحتى “القنافد”، ولم تحصد فيروسات الكورونا التي تشكّل “الخفافيش” حاضنة لها، مثلما يقول الأمريكان مئات آلاف الأرواح حسب الاتّهامات الأمريكيّة الحاليّة، خاصّةً أنّ مِئات الملايين من الصينيين عاشوا في فقرٍ مُدقِع، وخضعوا لاحتلال بريطاني، وواجهوا حروبًا عدّة عسكريّة وأفيونيّة (من عقار الأفيون)، ومجاعات لم يتوقّفوا عن أكل الرّز المسلوق فقط في وجباتهم الثلاث (أحيانًا وجبة واحدة) إلا قبل عشرين عامًا.
صحيح أنّ عُلماء أمريكيين اكتشفوا أنّ الخفافيش (يصنّف كنوع من الحيوانات وليس الطيور لأنّه يلد) هي أحد الحاضنات الرئيسيّة لفيروس الكورونا، ولكنّه لا ينتقل إلى البشر لأسباب عديدة لسنا أهل خبرة لنشر تفاصيلها، وحتى الفيروس الذي قيل إنّه جرى تجربته على أحد فئران التجارب ونقل إليه الفيروس، أيّ الفأر، لا يوجد أي دليل علمي بأنّه هو نفسه الفيروس المُنتشر حاليًّا.
نسأل عن الأسباب التي تجعل هذا الفيروس والوباء النّاجم عنه ينتشر فقط في دول أوروبيّة كُبرى مِثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، إلى جانب إيران والصين، وهي الدول التي تعيش خلافًا مُتفاقمًا مع إدارة ترامب، وتخضع لعُقوباته وحروبه التجاريّة، بينما هُناك دول مِثل الهند وباكستان وُمعظم دول جنوب القارّة الإفريقيّة لم يصلها هذا الفيروس حتّى الآن، رغم تواضع كفاءة أنظمتها الصحيّة؟
***
هُناك ألغاز عديدة ما زالت تَستعصِي على الفهم، ونحتاج إلى تحقيقاتٍ دوليّةٍ مُحايدةٍ من كبار الخُبراء لفك طلاسمها، وأبرزها ما إذا كان هذا “الفيروس الصيني” مثلما يقول الرئيس ترامب، أو “امريكي” مثلما يؤكّد المسؤولون الصينيّون؟
وحتى تبدأ هذه التحقيقات نعترف أنّنا نميل أكثر إلى الرواية الصينيّة لأنّنا لا نَثِق بالرئيس الأمريكي الحالي وإدارته وحُروبها الفاشيّة العُنصريّة وعُقوباتها التي تطال ثُلث دول العالم تقريبًا، وتضع شعار “أمريكا أوّلًا” كصُلب سياساتها، ومعيار تعاطيها مع الآخرين، وخاصّةً الشعوب العربيُة والإسلاميّة، وفُقراء آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبيّة، ولعلّ مُحاولة الرئيس ترامب الاستحواذ على شركة ألمانيُة تُوشِك على إنتاج لقاح للكورونا، وامتلاكه حصريًّا، ومنع الآخرين من الاستِفادة منه، هو أحد الأدلّة في هذا الصّدد.
شُكرًا للحُكومة الألمانيّة التي قالت “لا” كبيرة لهذه الخطوة الفاشيّة الأمريكيّة باحتِفاظها ببراءة اختراع هذا اللّقاح ووضعه في خدمة الإنسانيّة العالميّة بأسرِها دون أيّ تفرقة أو تمييز.