هدى الحسيني
كاللصوص الذين يسبقون دائمًا قوات الشرطة بخطوات مهما اتخذت من إجراءات أمنية، هكذا صار تنظيم داعش الذي مد أخطبوطه إلى غانا الدولة الواقعة غرب أفريقيا، جرثومة «الإيبولا» التي انتشرت في كل الدول المجاورة لغانا عجزت عن اختراقها، لكن في 16 من الشهر الماضي فوجئ عبد اللطيف اليما برسالة هاتفية على «الواتساب» تصله من ابنه محمد نظير نورتي يبلغه فيها أنه انضم إلى «داعش» للقتال في سوريا والعراق.
يخبرني رجل الأعمال الغاني المسيّس أن عدد المنضمين الآن صغير مقارنة بعدد سكان غانا البالغ 26 مليون نسمة، لكنه دق جرس الإنذار في عقول وقلوب الغانيين خصوصًا أن محمد نظير خريج إحدى أهم جامعات غانا وهي «جامعة العلوم والتكنولوجيا»، وكان لديه صديقة وينتظره مستقبل واعد، وبعد اختفائه تبين أن آخر أيضًا لحقه وكذلك شابة من شمال غانا قالت الصحف الغانية إن اسمها شاكيرا محمد.
ياو دونكور منسق الأمن القومي في غانا أبلغ الغانيين بأن الخطر سيكون حتميًا عندما يعود هؤلاء وآخرون لأن العدد قد يتصاعد.
يقول محدثي إنه من الصعب ألا نتخوف من «هجرة» كبيرة إلى صفوف «داعش» ومن وصول هذا النوع من العنف إلى شواطئنا، لا سيما أن غانا لم تتأثر أبدًا بما تعانيه الدول المجاورة لها من عصيان فيه نوع من التطرف الإسلامي والمشكلة اليوم أن عملاء «داعش» يغرون العاطلين عن العمل من الشباب الغاني بوعود مالية وبوابة إلى الجنة.
الشباب المسلم في غانا يلجأون إلى وسائل روحانية بحثًا عن المال، ويعرف هذا العمل محليًا باسم «شكاوى». يعدهم عملاء «داعش» بالإنفاق اللامحدود وحياة بذخ قبل سفرهم إلى سوريا والعراق، كما يضمنون لهم أن عائلاتهم ستعيش حياة جيدة بعد رحيلهم، وأن أولادهم وأهاليهم سيكون لديهم وفرة من كل شيء ودخول مجاني إلى الجنة. والكثير من الشباب لم يعد يتردد في الاقتناع والقبول.
الذين يتم اختيارهم يؤخذون إلى نيجيريا أو إلى بوركينا فاسو، حيث هناك متخصصون في التنويم المغناطيسي، ويسمح لهم أحيانًا بتبادل الحوار مع أعضاء من قيادات «داعش» في العراق عبر الإنترنت. ويقتنع هؤلاء بأنهم ذاهبون إلى الجنة إذا قاتلوا في صفوف «داعش».
أمام هذه التفاصيل اضطر منسق الأمن القومي ياو دونكور للاعتراف بأن كل مسلم غاني هو مجند محتمل، ثم أضاف أن هناك مدرسة في النيجر يخضع فيها مجندو «داعش» لبعض التدريبات قبل إرسالهم إلى وجهتهم الأخيرة.
يقول محدثي: بين الأسئلة الكثيرة التي تسألها غانا المصدومة، هو ما الذي سيحصل إذا عاد هؤلاء إلى أرض الوطن. ونظرة إلى ما يجري في أفريقيا وحول العالم تؤكد تصاعد عدد الشباب المنضم إلى «داعش». يضيف: تفخر غانا بأنها دولة ديمقراطية مستقلة، وفيها تناغم اجتماعي، لكن كان مجرد وقت قبل أن يصلنا رذاذ التطرف الإسلامي، نظرًا إلى قربنا من الدول التي تعاني من التطرف: نيجيريا في الشرق، ومالي في الشمال الغربي، والنيجر وتشاد في الشمال الشرقي. كل هذه الدول صارت الآن نقاطًا ساخنة للمتطرفين وللنشاط الإرهابي. والأكثر مصدرًا للقلق هو تنظيم «بوكو حرام» الذي بدأ حملاته في نيجيريا عام 2009. وأعلن في شهر مارس (آذار) الماضي ولاءه لـ«داعش».
تساءل محدثي: مع عدم وجود إجراءات، أو حتى قوانين لمكافحة الإرهاب في غانا، فما الذي يمنع أن تصبح هذه البلاد مثل بقية الدول المجاورة لها؟
في غانا، انتقد كبير الأئمة كبار الجالية المسلمة «البعيدين عن اهتمامات الشباب» وعبر عن «ذعره» من انضمام شباب إلى «داعش» ورفض مقولة أن الفقر يدفع هؤلاء الشباب إلى أحضان «داعش»، فقال: «لا أعتقد أن الناس في زونغوز (شمال غانا) فقراء، أغلبهم يعملون باستثناء المتسكعين، وللذين يتطلعون إلى مساعدة للذهاب إلى المدارس أقمنا صندوق زكاة وصدقة». لكن، يقول محدثي رجل الأعمال الغاني، إنه في شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرجت مظاهرات غاضبة في العاصمة أكرا، بعدما أصدرت السلطات أمرًا لرجال الشرطة بهدم جزء من أكبر الأحياء الفقيرة، تسكنه أغلبية مسلمة، فصار كثيرون دون مأوى، ورُفعت لافتة تعبر عن إحباط المتضررين، كتب عليها: «قبل عام 2016، سترون (بوكو حرام) في غانا».
منسق الأمن القومي الغاني قال إن الموالين لـ«داعش» يصبحون إرهابيين عندما يغادرون البلاد. في الداخل لا نعرف عنهم شيئًا، في ظل هذه الظروف نتساءل: ماذا علينا أن نفعل. ثم أضاف: إنه وقبل معرفة انضمام بضعة شباب إلى «داعش»، فإن مجلس الأمن القومي وضع برامج لتحذير الجميع من الأخطار الأمنية التي يسببها المتعصبون باسم الدين.
حسب محدثي يشكل المسيحيون 70 في المائة من السكان، لكن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين هي دائمًا جيدة، إذ في العائلة الواحدة هناك المسلم والمسيحي، لكن يلاحظ دائمًا أن التطور على كل المستويات هو أسرع في الجنوب حيث الأغلبية المسيحية منه في الشمال حيث يعيش المسلمون، ثم إن الأحزاب السياسية في غانا ليست قائمة على أسس دينية أو إثنية كما في بقية الدول الأفريقية، وكثيرًا ما كان نائب الرئيس مسلمًا، وأحيانًا كان يصل إلى سدة الرئاسة بموت الرئيس.
من المؤكد أن الغانيين سيسألون أنفسهم ما الذي يجذب الشباب الغاني العادي من الطبقة المتوسطة، أو حتى الفتيات للانضمام إلى أخطر تنظيم إرهابي في العالم. وكلمة الراديكالية غير مناسبة لشباب مسلم معتدل، لكن ما حصل في غانا يؤكد أن الثقافة والليبرالية في التفكير لا تشكلان حماية كافية في وجه وسائل «داعش» الشيطانية.
من ناحية أخرى، يجب عدم الاستخفاف بالعامل الاقتصادي في غانا التي كانت حتى سنوات قليلة مستقرة اقتصاديا ومزدهرة، لكن بسبب إساءة الحكم اضطرت إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي لحل مشكلتها المالية. الرئيس الغاني جون ماهاما قال أخيرًا، إن النمو يجب أن يصل إلى ما لا يقل عن 8 في المائة لتوفير وظائف للشباب لكن هذا النمو تعثر كثيرًا في السنتين الماضيتين وقد يصل فقط هذا العام إلى 3.9 في المائة أي أقل من المتوسط في جنوب الصحراء الأفريقية. حاولت الحكومة في البدء عدم الكشف عن انضمام شباب غاني إلى «داعش»، لكنها اضطرت إلى ذلك بعدما تحدث والد محمد نظير خريج «جامعة العلوم والتكنولوجيا» الذي قال إن اختفاء ولده وذهابه إلى «داعش» تمامًا مثل خبر وفاة في العائلة. وهذا ما دفع بكبير الأئمة إلى حض الزعماء المسلمين في غانا على الاقتراب من الشباب ومراقبة أي منهم يظهر على تصرفاته بعض التطرف. لكن دونكور منسق الأمن الوطني أظهر ارتباكًا عندما قال إن «بدهان ديالو» المفترض أن يكون العقل وراء تجنيد الغانيين لـ«داعش»، لم يظهر ما يثير في تصرفاته مثل الانزواء، أو إطالة اللحية أو لبس العمائم. وطلب من المقربين إذا لاحظوا تصرفات أو سمات غير عادية إبلاغ الأئمة أو الكهنة.
يقول محدثي إن الجيد في الأمر، أن الكل في غانا متعاون كي لا تنتشر هذه الظاهرة السامة. لكن الكل في غانا صار متوترًا من تأثير الوضع الاقتصادي الحالي، خصوصًا أن غانيين كثرًا انضموا إلى مئات الآلاف من اللاجئين الذين يغامرون بحياتهم في المتوسط بحثًا عن فرص عمل في أوروبا.
صحيح يجب عدم المبالغة في تصوير مشكلة انضمام بضعة شباب غانيين إلى «داعش»، لكن الأكثرية الغانية شعرت بقلق، لأن ما جرى يكشف أن تنظيم داعش أقام وجودًا في أفريقيا، مع إعلان مجموعات مسلمة متطرفة في نيجيريا، وليبيا، ومصر أيضًا الولاء له، وتقوم بعمليات إرهابية باسمه. «داعش» موجود في العراق وسوريا، أما في أفغانستان فقال أحد زعماء «طالبان» الأسبوع الماضي إن التنظيم انشق على نفسه بعد اختيار زعيم له هو منصور اختر، بدلاً من ابن الملا عمر، وهؤلاء المنشقون أعلنوا ولاءهم لـ«داعش».
يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى سيسمح العالم لـ«داعش» بالتمدد، ولماذا؟