دفن الموتى
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

دفن الموتى

دفن الموتى

 الجزائر اليوم -

دفن الموتى

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

العنوان ليس لي، بل مأخوذ من افتتاحية الشاعر الكبير تي. إس. إليوت التي كُتبت عام 1921، ونُشرت عام 1922 على خلفية نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي ترسم ملامح العالم في مجموعة صور وكنايات واستعارات ممزقة لا رابط بينها سوى الإحساس بالألم والمرارة والضياع. ما معنى الحياة عندما يكون الموت وبهذه البشاعة هو المصير المحتوم يلخص حياتنا في حفنة تراب هي مآلنا، من التراب وإلى التراب نعود، فهل لمفتتح «الأرض الخراب» في قصيدة إليوت أي معنى لعالم الجائحة؟ أم أن الموت في الجائحة يختلف عن الموت البشع من جراء الحروب الكبيرة؟ حفظت الأبيات الأولى لهذه القصيدة كأنما أحفظ شعر المتنبي الذي يتسلل إلى عقلك خلسة ويبقى هناك.
«أبريل هو أقسى الشهور، يُخرج زهور الليلك من الأرض الميتة، يخلط الذكرى بالرغبة، ويُحْيي الجذور النائمة بمطر الربيع».
هذا المربع الشعري المثير المليء بما يبدو متناقضاً يفتتح أهم قصيدة في الشعر الإنجليزي كُتبت في القرن العشرين. كيف يكون شهر أبريل (نيسان) وهو بداية الربيع من أقسى الشهور؟ هكذا، لأن فيه بزوغاً لزهور الليلك الزرقاء الناعمة والتي نعرف مسبقاً أن شبابها لن يدوم كثيراً وأن الموت السريع مصيرها، نرقب شروقها المدهش ونحن نعلم أنها ميتة بعد حين. ومطر الربيع يحْيي جذوراً ميتة لتنبت ونعرف أنها ستموت مبكراً، فلماذا هذا التذكير بالألم والموت المبكر وغير المتوقع، لماذا تموت الزهور في ريعانها؟ لا يستطيع الشاعر استساغة معنى الإشراق إذا كان الظلام هو الأمر المحتوم، ما معنى تلك الحياة المفعمة إذا كان الموت مصيرها؟ هل لتصبح سماداً لزهور جديدة أم أن الأمر كله ينتهي بمقولة من «التراب وإلى التراب نعود»، مثل افتتاحيات الأغاني الكنسية، أو في قوله تعالى في سورة (ق): «أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ»، والحديث: «كلُّكم بنو آدمَ، وآدمُ خُلقَ من ترابٍ، لينتهينَّ قومٌ يفتخِرون بآبائِهم، أو ليكونن أهونَ على اللهِ من الجُعْلانِ».
مع اختلاف النصوص الإسلامية التي فيها بعث وأمل لحياة أخرى أبدية، نجد رؤية إليوت في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى شبه عدمية تتساءل عن معنى موت الزهور الرقيقة قبل الأوان، تلك الحرب التي راح ضحيتها عشرة ملايين من البشر، وهذا عدد من الموتى غير قليل في عام 1921 كما أنه ليس قليلاً الآن.
«الشتاء يحفظ علينا الدفء، يغطي الأرض بثلوج النسيان، يُطعم الحياة الباسقة من جذور قديمة نائمة».
كيف يكون الشتاء مصدر دفء وراحة؟ الثلوج التي تغطي الأرض تجعلنا ننسى ما تحتها من جثث الموتى، تلك الجثث التي تكون مصدر حياة أو سماداً لحياة محتمَلة الآن نائمة تحت الثلج، البرد والشتاء مصدر دفء لأنه يُنسينا آلام الموت الفظيع، «الصيف يدهشنا بالمطر» ويحرّك فينا ذكريات ما قبل الحرب عندما كانت الحياة ممكنة ومصدر أمل لا مصدر ألم، وهكذا نتوق لعالم ما قبل الجائحة رغبةً في اعتيادية الحياة والسفر جنوباً في الشتاء كما تتذكر «ماري»، المتحدثة الأولى في القصيدة، بحثاً عن اعتياد قديم مبهج، بحثاً عن الجلوس في المقاهي والثرثرة مع مَن نحب ومع مَن لا نحب أحياناً، الأمل، وجاءت الجائحة لتحصد كباراً وصغاراً وتجعلنا نحاول الاختفاء ليس خلف بروج مشيّدة وإنما خلف كمامة رقيقة لا تغني من الحق شيئاً، وتذكّرنا بمصيرنا المحتوم، من التراب وإلى التراب نعود.
لم أكن أعرف أنني أحفظ افتتاحية «الأرض الخراب» متمثلةً في الافتتاحية المعنونة بدفن الموتى، إلا عندما ذكّرني بها صديق عنَّ على خاطره فجأة أن يقرأ تي إس إليوت، ويبدأ بأصعب قصائده وأكثرها تعقيداً.
«الأرض الخراب» ليست قصيدة للترجمة وليست قصيدة لأدعياء الثقافة، إذ يصعب فهمها لمن لا تجتمع لديهم مفاتيح الميثولوجيا الإغريقية والمصرية القديمة، ومعرفة عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى وإلمامه باللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية والسنسكريتية ومن لا يعرف شعر كيتس ولا يعرف منولوج أوفيليا في مسرحية «هاملت» والتي ماتت غرقاً، ومن لا يعرف شعر تشوسر ودانتي وبودلير، ومن لا يعرف موسيقى فاغنر، وتاريخ موت الإمبراطوريات إلى آخر الشفرات الرمزية في تلك القصيدة المركّبة، على كل هؤلاء يصعب فهم قصيدة وُلدت في المساحة بين عالم انتهى بنهاية الحرب وعالم متعثر في الولادة بعدها. مفاتيح الصور الشعرية والإحالات التاريخية واللغوية وكذلك الإحالات الأدبية المركزة كلها هناك.
أخبرت صديقي بأنه بدأ شعر إليوت من نقطة النهاية، كأنه يبدأ دراسة الرواية الحديثة من رائعة جيمس جويس عوليس، والتي كُتبت في ذات الفترة وكان إليوت يعرف عنها ولم يذكرها في هوامشه. ولكنه عالم الجائحة الذي يُخرج من دواخلنا رغبة جامحة للمعرفة، رغبة ربما لا تُنتج حياة جديدة ولا تُنجب حياة جديدة مثلها مثل رغبة الملكة إليزابيث الأولى (الملكة العذراء) وعلاقتها مع الإيرل روبرت ديدلي، إيرل ليستر، علاقة عقيمة رفضت من خلالها الإنجاب وتجديد الحياة من أجل شعبها الإنجليزي البائس كما يقول إليوت في المقطع المعنون «موعظة النار» القادمة من الميثولوجيا البوذية والتي تدعو الإنسان إلى الخروج من عالم الجسد والتراب إلى عالم أسمى، يقلّبه إليوت إلى عالم خرب غير قابل للتجدد.
لماذا تواردت الأرض الخراب على خاطر صاحبي والذي لم أكن أعرف يوماً أنه مغرم بشعر الإنجليز؟ هل هي الذاكرة الأبدية الموجودة في دواخلنا والتي لا نفتحها إلا بكلمة سر علّمنا الله إيّاها عندما قال: «وعلّم آدم الأسماء كلها»، و«علّم» هنا فعل ماضٍ، وكذلك في قوله تعالى: «ولقد علمتم النشأة الأولى»، وهو أيضاً فعل ماضٍ، أي إن العلم قد حدث وما علينا إلا استرجاعه في لحظة صفاء روحاني.
دفن الموتى هو مدخل مذهل لقصيدة تتكون من مجموعة صور شعرية ممزقة، ولغة عالية جداً مرة، وشعبية فيها سوقية مرة أخرى، وعبارات تقترب من لغة الميثولوجيا القديمة، وبلغات مختلفة، صور لا يربطها إلا رابط الألم الإنساني المشترك، ألم الحرب الذي كتب سطوره إليوت بالألمانية والإنجليزية، ليقول دونما مباشرة، إن ألم الألمان من الحرب لا يقل عن ألم الإنجليز، وكذلك الألم العالمي المشترك بعد مائة عام بالتمام والكمال بين كتابة قصيدة «الأرض الخراب» عام 1921، وما نحن عليه الآن في ذروة الجائحة ودفن الموتى في عام 2021.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفن الموتى دفن الموتى



GMT 20:07 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

طالبان وإيران حلفاء أم أعداء؟

GMT 20:01 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

مجرداً من عصاه

GMT 19:57 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

إيران وجناحاها التالفان

GMT 19:52 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

هل يعامل إبراهيم رئيسي مثل عمر البشير؟

GMT 19:47 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

لقد أطفأوا بيروت لؤلؤة المتوسط

GMT 10:56 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يسود الوفاق أجواء الأسبوع الاول من الشهر

GMT 01:10 2016 الجمعة ,30 كانون الأول / ديسمبر

ريهام إبراهيم سعيدة بمسيرتها المهنية في الإعلام

GMT 13:09 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يُعرب عن أمله في تحقيق بطولة رفقة "ليفربول"

GMT 09:18 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أمير منطقة جازان يتبرع بمليون ريال لجائزة جازان للتفوق

GMT 22:51 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت يؤكد علي أهمية الاقتصاد وتنويع الدخل

GMT 16:38 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

بروسيا دورتموند يستعيد جهود ريوس قبل مواجهة شتوتجارت

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

استوحي إطلالتك السواريه بالدانتيل من وحي مدونات الخليج

GMT 09:59 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

طرق الحصول على مكياج عيون برونزي مع الأيلاينر

GMT 09:18 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

بن عبدالعزيز يعزي أسرة القواسمة بمحافظة أبو عريش

GMT 19:18 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني إيسكو يرُد على اتهامه بزيادة الوزن

GMT 10:19 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

محافظ الأسياح يهنئ القيادة بمناسبة اليوم الوطني 88

GMT 18:44 2018 السبت ,17 شباط / فبراير

أمطار على محافظة البدع السعودية
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria