بقلم : جهاد الخازن
كنت أعتقد بأنني كما قال الإمام علي بن أبي طالب «لست بخبّ والخبُّ لا يخدعني». إلا أن رجب طيب أردوغان خدعني، فقد اعتقدت يوماً بأنه نموذج الحاكم الإسلامي الديموقراطي وعشت لأراه ديكتاتوراً آخر أو سلطاناً.
كل الأخبار من تركيا مقلق، وأردوغان لا يزال يطالب الولايات المتحدة بتسليمه الداعية فتح الله غولن المتهم بأنه وراء محاولة الانقلاب في تموز (يوليو) الماضي. تركيا أرسلت الى واشنطن هذا الشهر أدلتها على دور غولن في محاولة الانقلاب. إلا أن قبول الأدلة يعني تحويلها الى قاضٍ يقرر هل يوافق على الطلب التركي أو يرفضه. خبراء يقولون إن الولايات المتحدة لن تسلم غولن، ما سيزيد حدة الخلاف بين البلدين.
ما سبق لا يمنع أردوغان من الاستمرار في محاولته تغيير النظام في تركيا الى بلد رئاسي، بمعنى أن تكون السلطات في يدي الرئيس، أي يديه. أحمد داود اوغلو خرج من رئاسة الوزراء أو أخرِجَ لأنه لم يتفق مع أردوغان على تغيير النظام. رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم موافق، وأقرأ أن تركيا ستشهد قريباً استفتاء على الحكم الرئاسي.
في غضون ذلك، تصفية الخصوم مستمرة ومئات من قادة الجيش التركي والملحقين العسكريين في الخارج والقضاة والمدّعين العامين طُرِدوا من العمل أو سُجِنوا وينتظرون محاكمتهم بتهمة دور لهم في محاولة الانقلاب. آخر رقم قرأته للمعتقلين من رجال القضاء هو 189 متهماً جديداً منهم.
حتى الأجانب لم يسلَموا من غضب الحكومة، والمعلمة الأميركية كيلسي دين اعتُقِلت في المطار وهي مسافرة وسُجِنت بتهمة علاقتها بجماعة إسلامية تركية، ثم طرِدت من البلاد مع قرار بمنعها من العودة نهائياً. وهناك روائية تركية معروفة هي أليف شافاك (أو شفق) تقيم في لندن مع زوجها الصحافي أيوب كان. وقد أصبح الزوج مطلوباً للعدالة في تركيا بتهم غير واضحة.
أردوغان يريد بناء سور مع سورية طوله 911 كيلومتراً، ووزير الدفاع فكري أيزيك قال إن العمل في السور سينتهي خلال الربيع المقبل. هذا لا يمنع أردوغان من اتخاذ قرار بالتوغل في سورية حوالى 50 كيلومتراً، وأُصِرُّ على أن الحكومة التركية تريد خلق منطقة عازلة داخل سورية، بحجم يقترب من نصف مساحة لبنان، لتنقل اليها اللاجئين السوريين في تركيا.
هناك قوات تركية قليلة موجودة داخل العراق قرب الموصل في بعشيقة، وعملها الأصلي تدريب عراقيين من السنّة والتركمان على مقاومة «داعش». إلا أن الحكومة التركية تزعم أنها تشترك في القتال ضد «داعش» في الموصل، وأن الطيران التركي شنّ غارات على مواقع الإرهابيين في الموصل وحولها.
في الوقت نفسه، تركيا تعارض أي دور للأكراد في القتال لتحرير الموصل، مع أن المقاتلين الوحيدين هناك هم الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية.
السياسة التي يمارسها رجب طيب أردوغان لا ترضي أحداً في المنطقة أو حول العالم، والحكومة التركية لا تحاول تغيير هذه السياسة أو تعديلها، بل تتهم الميديا العالمية بموقف ضد تركيا.
رئيس الوزراء يلدريم نفسه قال إن بلاده تواجه حملة من الميديا العالمية التي تزعم أن تركيا تواجه حرباً، وأنها تفتقر الى الاستقرار، وأن الناس يموتون كل يوم فيها. يلدريم قال إن تركيا لا تستحق مثل هذه المعاملة وعاد ليتهم غولن بأنه وراءها. هل يصدق أحد أن داعية مسنّاً في بنسلفانيا يسيطر على الميديا العالمية؟
الآن تركيا تحذر من حرب عالمية ثالثة بسبب الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة على سورية. هذا الكلام من نوع أن غولن يتحكم بالميديا العالمية.